29-03-2011 09:37 AM
كل الاردن -
الدكتور محمد حسن الديري
يوم أمس وبينما كنت أشاهد التلفاز ورد في الأنباء أن مايزيد عن 134 دولة في العالم قد احتفلوا من أجل " الأرض " بإطفاء الأنوار لمدة ساعة كاملة . وتناقلت وكالات الأنباء صور عواصم ومدن العالم المختلفة التي احتفلت بهذه المناسبة في جميع أرجاء المعمورة .
فرأينا كيف تُطفأ الأضواء وتنار بدلا منها الشموع في اكروبوليس في اليونان وايفل في فرنسا والكولوسيوم في ايطاليا وغيرهم من مدن العالم وكيف تحتفل شعوبهم بإضاءة شموع عند " العتمة " ... فدبت فيّ روح "النخوة" و "الفزعة" فوجدت نفسي واقفا صارخا في منتصف الغرفة أمام التلفاز أصيح بعالي الصوت "والأردن ... الأردن ... وين الأردن ؟ ... ما احنا "طفينا" الأنوار "كمان" تحت جسر الداخلية" ... وفجأة وكما وقفت فجأة ... "رقدت" فجأة وأنا " مبهور " طيب احنا ليش " انضربنا لما انطفأت الأضواء " بينما على التلفاز نرى شعوب العالم تشعل الشموع ؟! هل هذا "بختنا" ؟ أم هو مدعاة "للسرور" أن نُضرب ؟!
هز وجداني ... منظر شعوب العالم عند إطفاء الأنوار وعند إضاءة الشموع ... هزني اكثر منظر نساء و اطفال ورجال يُضربون عند إطفاء أنوار الداخلية .
أنا لن ُأطالب بمحاسبة مسؤول ... و لن أنتظر نتائج لجنة تحقيق ... ولن أبكي بعد اليوم ... ولكن عهدا بأنني لن أصمت !
في " فقه " الحضارات و " مفرداتها " ...كلمة اعتصام تعني " وقوف " ... "عدم حركة " ... " توقف عن الفعل" فالاعتصام يختلف عن المظاهرة والمسيرة ...!
في الاعتصام الناس تجتمع وترفع يافطات وقد "تجلس" وتعلن موقفها من خلال تواجدها وثباتها في مكانها ... و "سلمي" تعني لا أسلحة ... لا سكاكين ... لا عصي ... لا حجارة ... لا " قنابل مولتوف" ... لا " شباشب " ... ولا " أحزمة " . "سلمي " تعني أن نستخدم القول لا الفعل في نقل الرسالة . فهل هذا صعب على حكومتنا الموقرة " استيعابه " ؟!
غريب أمر هذه الحكومة ... فأنا أسمع أن معالي وزير الداخلية الأكرم يسمح بالاعتصام السلمي واسمع أن رجال الأمن العام بلباسهم الرسمي يوزعون المياه والابتسامات ويشجعون الناس بطريقة غير مباشرة على الاعتصام وسمعت قبل أيام وزير التطوير الإداري والتنمية السياسية مازن الساكت في مداخلة له عبر برنامج "صوت حياة " الصباحي يقول: " ...الاعتصامات تأتي للتعبير عن مصالح أو مطالب اقتصادية أو سياسية وهذا حق أولا " . فهذا ما أسمع أما ماذا أرى ...؟
أرى هراوات تهوي على رؤوس وأجساد مواطنين مسالمين ... وحجارة تتطاير باتجاه المواطنين العُزّل الذين " لم يُبل ريقهم بعد " من المياه التي وزعها رجال الأمن العام .
لن أطالب كما قلت بمحاسبة المسؤول عما حدث ويحدث وسيحدث وتقديمه للمحاكمة ... لأن غيري سوف يفعل وسيُحاكم كل من له يد في هذه الجريمة إن اجلا أم عاجلا ولنا في ما يجري حولنا لعبرة لمن يتعظ ... ولكني أريد أن استخدم حقي في السؤال والتعبير عن الرأي الذي كفله لي الدستور فيما تبقى من احترام لدستورنا ... أريد أن أسأل أكانت هذه مصيدة ؟ أكانت هذه عملية مبرمجة لضرب المعتصمين المسالمين وايجاد الأعذارلمنعها مستقبلا ؟
كنت هناك ولن أسمع لغير ما رأيت ! كانوا رجالا ونساءا ... كهولا وأطفالا ... أبناء عشائر ... مواطنون ... من جميع طبقات وفئات مجتمعنا ... يغنون للأردن والقائد ويرفعون يافطات تعبر عن مطالبهم ... حتى أنهم كانوا يقفون على الرصيف تحت الجسر قبل إطفاء الأنوار ... وبعد الإطفاء صاروا في كل مكان ...في سيارات السجون الجاهزة ... على أكتاف المسعفين من " الغانمين " ... وعلى الشارع ينزفون ويئنون ... كل هذا في لحظات ... لماذا ؟
لماذا يعتصمون سلميا ويُفرّقون بالضرب والحجارة والعصي ؟ لماذا تؤيدون اعتصامهم وتوزعون المياه ثم ترسلون من يضربهم ...؟ لماذا توهموهم بالديمقراطية ثم تستخدمون " ديكتاتوريتكم " عليهم ...؟ "منشان الله ليش" ؟
أصبح هنالك فجوة كبيرة ... ردة "نفسية" عكسية ... عدم ثقة واضح بعد حادث 24 أذار ! لن أطالب بمحاكمة المسؤول الان ولكنني أتسائل وفي السؤال عبرة ... من المستفيد من تقسيم شعبنا الى " أعداء الملك " و " بلطجية " ... لا أعرف أعداء للملك في الأردن ولا أعرف بلطجية ... بل أعرف مواطنون أردنيون همهم الوطن ... ومستقبل ابنائهم واحفادهم ...!
أنا مصدوم مما حصل ... حتى أنني بعد أن كنت لا أحب أن أنام إلا في "العتمة" أصبحت أحمي رأسي بكلتا يدي عند إطفاء الأنوار للنوم بدل أن أضيء شمعة .
23 يوليو... يوم يعني لي الكثير, ليس لأنه يوم ثورة الضباط الأحرار في مصر فحسب... بل لأنه يوم مولدي ...
25 يناير يوم يعني لي الكثير , ليس لأنه يوم الثورة المصرية فحسب بل لأنه يوم مولد ابني.
24 أذار ... يوم يعني لنا الكثير... لأنه اليوم الذي أُطفئت فيه أنوار الوطن. فهل من يُشعل شمعة ؟!
dairi21@hotmail.com