09-04-2011 09:03 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
هل صحيح ان «وصفة» الاصلاح التي تقدمها «النخب» وترفع شعاراتها في الشارع، تختلف عن «الوصفة» التي يفكر بها أغلبية المواطنين، أو يريدها - ان شئت - قطاع عريض منهم؟
لا يمكن الاجابة عن هذا السؤال قبل تحرير مسألتين: احداهما طبيعة العلاقة بين «النخب» والمجتمع، وهي - للاسف - علاقة ملتبسة وغير واضحة، فمعظم النخب في بلادنا - على اختلافات توجهاتها - لا تمثل بشكل واضح أغلبية المجتمع، وبالتالي فان ما تقدمه من وصفات «للاصلاح» قد لا تتطابق تماماً مع ما يريده الناس، ومع أولوياتهم ايضاً، اما المسألة الاخرى فتتعلق بتركيبة المجتمع الاردني، واذا ما اتفقنا على ان هذه التركيبة غير متجانسة تماما بما يكفي «للتوافق» على اهداف وعناوين محددة تجاه «مشروع» الاصلاح، فان من الطبيعي ان يكون لكل طرف «وصفته» التي يراها الافضل، ولكل طرف «مخاوفه» وهواجسه التي لا يجوز ان نتعامل معها بمنطق الاهمال أو الرفض والاتهام.
أعرف تماما ان ثمة عناوين متفق عليها في المجتمع حول «الاصلاح» من ابرزها عنوان «مكافحة الفساد» وعنوان «اصلاح الاقتصاد» وعنوان «اصلاح الادارة والقضاء»..الخ، لكن ماذا عن العناوين الاخرى التي تتعلق «بالاصلاحات الدستورية» أو «بقانون الانتخابات» أو حتى غيرها من «المطالب السياسية» التي ارتفعت سقوفها مؤخرا؟
اعتقد ان في مجتمعنا فئة كبيرة ترفض الدخول من هذا الباب لتحقيق الاصلاح، أما لماذا؟ فالاسباب والاعتبارات كثيرة، من بينها ما يتعلق «بالمصالح» فهي تظن ان «الاصلاح» بهذه الطريقة سيحرمها مما حصلت عليه من امتيازات وحقوق، وسيغلق أمامها «فرص» الحياة الكريمة لانها لا تمتلك مقومات المنافسة الطبيعية لا على التعليم ولا الوظائف ولا غيرها، ومن بينها ما يتعلق بانتظار حسم قضية «المواطنة» كأرضية مناسبة لبناء دولة مدنية بمؤسسات فاعلة وقوانين حازمة، ومصدر القلق هنا ان تحقيق الاصلاح بوصفته «العالية» على اساس غياب توافق عام لمعنى المواطنة وحدودها، سيتيح المجال لطرف ما «بالسيطرة» على موارد البلد وسلطاته، ويفقد اطرافا اخرى من «المكاسب التاريخية التي باتت في حكم الحقوق الثابتة.
على صعيد الاولويات ايضا، يرى البعض ان القضايا الحياتية تشكل منطلقاً أساسياً ومطلوباً للاصلاح، فالمواطن الذي يشكو من غياب فرص التعليم، والطبابة المجانية ويعاني من غلاء الاسعار، وقلة الدخل والبطالة والفقر، وعدم توزيع مكتسبات التنمية بعدالة، وشيوع الفساد، يحتاج الى تحقيق ذلك أولا، وحتى لو حاولت النخب ان تقنعه بأن هذه «التفاصيل» يحققها الاصلاح السياسي بوصفاته «المتقدمة» فانه يعتقد بأن عصفوراً بيده أفضل من مئة على الشجرة.
ما أريد ان أقوله هو ان «تخوفات» قطاع كبير من مجتمعنا تجاه «وصفات» النخب الاصلاحية يجب ان تكون مفهومة، واذا أرادت النخب ان «تردم» الهوة بينها وبين الشارع الذي ثبت بأنه لم يندفع كما يجب وراء احتجاجاتها، فعليها أن تعيد النظر «بأولوياتها»، وشعاراتها، ورؤيتها للاصلاح، وان تخرج بوصفة واقعية «تجمع» أغلبية الناس من مختلف الاصول، بحيث لا يشعر أي طرف بأنه سيخرج «خاسراً» أو مغلوباً في نهاية المطاف.
اذا سألتني: ما هو المدخل الحقيقي لصياغة هذه الوصفة؟ سأقول على الفور: اعادة الاعتبار لقضية «المواطنة» كأساس لتعريف وتحديد هوية الاصلاح ومآلاته، ثم تطمين الناس على ان «الاصلاح» لا يستهدف طرفاَ ضد آخر، وانما يستهدف تحقيق مصلحة الجميع في ظل توافقات عامة تنهي حالة «الاستقطاب» الاجتماعي والسياسي وتمهد لمرحلة جديدة عنوانها «الوطن للجميع»، وهذا كله - بالطبع - يحتاج الى مضامين خطاب «اصلاحي» جديد، وأدوات تقنع الناس، وخروج حقيقي من «أزمة» الشراكة الوهمية الى الشراكة الحقيقية التي تشعر الناس أنها شركاء في المغنم والمغرم معاَ.
(الدستور)