11-04-2011 07:16 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
في ضوء «التجربة» التي تصلنا نماذجها المختلفة من عواصم «الثورات» العربية تباعا، أرجو ألا نتوقع أن يمر قطار «الإصلاح والتغيير» في بلداننا بيسر وسهولة، صحيح ان الإنجازات التي تحققت في الميدان تستحق الإشادة وتبشر بـ «ربيع» عربي قادم، لكن الصحيح ايضا ان ثمة «مطبات» وعوائق ومصدات عكسية تقف في وجه هذا «التحول» المفاجئ – بما أوتيت من جهد- ان تجهضه لتعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
ما يحدث في مصر –مثلا- يقدم لنا مثالا واقعيا عن حالة « الاستعصاء» التي يواجهها التغيير، فبعد إقصاء رأس النظام وبعض أذرعه الأساسية يكتشف المصريون ان «جذور» هذا النظام ما زالت موجودة وأن أعوانه وبنيته الأساسية التي تشكلت عبر عقود من الزمان ما تزال «تلعب» وتتدخل وتؤثر، وهذا مفهوم بالطبع في سياق «الزمن» الذي يحتاجه التغيير كي ينضج ويكتمل ويتوسع حتى تنتهي حقبة وتبدأ حقبة أخرى، لكن صيرورته –كما أدرك المصريون أيضا- تحتاج الى «محرضات» فاعلة تضمن استمرار «الضغط» والإيقاظ والدفع باتجاه انزال «التغيير» على الواقع والإسراع في خطواته وضمان «ولادة» نظام سياسي جديد يتناسب مع «مجتمع» الثورة ومع إنسان الثورة أيضا.
في هذا الإطار نفهم «المسيرات» المليونية التي يشهدها ميدان التحرير كل يوم جمعة، ونفهم «يقظة» الشباب المصري الذي ما زال مستعدا للتضحية من أجل الحفاظ على «مطالبه» وتحقيقها بدون أي إبطاء ونفهم –ايضا- وعي هذا اللعب على «ألاعيب»السياسة التي تضمر اكثر مما تعلن وتراوغ بدل ان تتقدم ومعرفته ايضا بأن الحقوق تنتزع ولا تطلب، وتحتاج لمن يضحي من أجلها لا لمن ينتظر ان تقدم له على طبق من ذهب.
لا شك أن من «فضائل» الثورات والاحتجاجات التي شهدناها مؤخرا -وهي بالمناسبة فضائل كثيرة»- أنها كشفت للشعوب العربية الوجه الحقيقي لحكوماتها كما كشفت لهذه الحكومات «الرغبات» الكمينة لهذه الشعوب و»القوة» الصامتة والمرعبة داخلها، وربما تكون المرة الأولى التي يخرج فيها الطرفان وجها لوجه دون اية أقنعة أو أغطية، الطرف الرسمي الذي أصبح يعرف ماذا يريد الناس وبماذا يفكرون حتى وان «تذرع» بأنه لا يفهم ذلك أو انه يماطل في الاستجابة له، والطرف الشعبي الذي «اهتدى» الى معرفة قدره وحقوقه ومطالبه وحجم الظلم الذي تحمله ثم اندفع غاضبا «لانتزاعها» وحين انتزع بعضها أصرّ على البقاء مستيقظا لمقاومة أية جهة تريد ان تسلبها منه وفتح عيون الآخرين على «استلهام» افعاله، فتحررت معركة «الإصلاح» من خصوصياتها القطرية وتحولت الى «ماركة» عربية بامتياز.
نعم.. دقت ساعة «التغيير» في معظم بلداننا لكنها ليست «محصنة» من «التعطل» ولا من «التوقف» فأوعية السياسة العربية بآثامها يتجاوز عمرها نصف قرن ومن الصعوبة ان نتوقع بأنها «ستختفي» بالضربة القاضية أو انها ستعالج بـ «الإصلاح» الذي تأتي «وصفاته» من صيدليات الحكومة وعليه فإن اخضرار ربيع «التحولات» العربية سيظل –دائما- بحاجة الى مزيد من «المياه» الضاغطة ومزيد من قلع «الأشواك» في التربة التي تتهيأ لاستقبال البذار الجديدة ومزيد من «الاحتجاجات» التي تذكر الجميع بأن «اصوات الناس» لم تتحول الى مياه راكدة وبأن حقوقهم لم تسقط بالتقادم وبأن عمر «الإصلاع» الذي يريدونه أطول من أعمال الكثيرين الذين يحاولون إجهاضه.