20-04-2011 07:34 AM
كل الاردن -
محمد ابو رمان
أحتاج إلى قدر كبير من التأنّي والتحليل قبل أن أفهم فحوى الرسالة التي يمكن أن يلتقطها الرأي العام من اعتقال طالب قاصر في مدرسة خالد أبو الهدى الصناعية، والإفراج عنه في وقت متأخر بعد "وجبة دسمة" من الاحترام الشديد!
سبب الاعتقال الوحيد أنّ هذا الطالب شارك في اعتصام يوم الجمعة 15 نيسان (أبريل) لحركة "24 آذار"، أي أنّه تنفيذا لما تدّعيه الحكومة، صباح مساء، قام بممارسة حقه في التعبير، وفقاً لتعديلات قانون الاجتماعات العامة، وتعزيزاً لنداءات الحكومة المتتالية للشباب بالانخراط بالعمل السلمي المدني السياسي، والتخلي عن السلبية القاتلة!
ابننا "منذر نعيم" وعمره قرابة 16 عاماً، أخذ درساً مهماً في مصداقية الخطاب الرسمي والحكومي، وعزّز قناعتنا جميعاً أنّنا بالفعل أمام مرحلة انفتاح وإصلاح سياسي، والدليل أنّه تمّ اعتقاله من صفّه، من دون أن يرف رمش لمعلّميه ولا لمديره الفاضل، ولا أن يحاولوا أن يذكّروا "الزوار الكرام" بأنّ هنالك حرمات للمدارس، وأنّ المدير هو الأب والمسؤول الأول والأخير عن سلامة طلبته داخل حرم المدرسة!
الدلالة الرئيسة في ذلك أنّ الرسالة السياسية والإعلامية للدولة ملتبسة ومرتبكة وتائهة تماماً. فالمواطن لم يعد يعرف، حقّاً، فيما إذا كنا نريد دولة يسود فيها حكم القانون واستقلالية المؤسسات المختلفة، سياسياً وتربوياً ومدنياً، أم "حارة كل من إيده إله"؟! وفيما إذا كانت الدولة تريد إصلاحاً سياسياً، أم أنّها تريد "شراء الوقت" وإبقاء الوضع الراهن، أم أنّنا أمام "حكومات" متعددة لكل أجندتها ومواقفها من القضايا الحساسة والأجندة المقبلة؟!
إذا كانت هنالك نيّة جدّية في الإصلاح السياسي الحقيقي، فإنّ "الرسائل" التي نلتقطها مغايرة لذلك تماماً، ولا تشي بأننا أمام مرحلة جديدة مختلفة، تسود فيها قيمة المواطنة وحماية حقوق الإنسان واحترام الحريات الأساسية، وإطلاق الحياة السياسية من عقالها الأمني، في المجتمع والجامعات والإعلام. بل إنّ المعطيات الحالية تخلق شعوراً عاماً أنّنا في مرحلة تربص مُبيّت، وإغلاق للمناخات التي بدأت تبرز في الفترة الأخيرة.
لا أعرف فيما إذا كان هنالك جدوى من سؤال الحكومة ومساءلتها عمّا يجري، إذ يبدو واضحاً أنّها فقدت تماماً القدرة على الإمساك بالتطورات، وأنّها أصبحت جزءاً من المشكلة، وقد خسرت المعركة السياسية والإعلامية، سريعاً!
نريد، فقط، أن يشرح لنا الفريق السياسي في الحكومة، الذي كان يجلس بالأمس معنا في موقع المطالبة بالإصلاحات الشاملة ويدعو إلى دور فعّال للحكومة، ويتحدث أعضاؤه عن مشروع "إنقاذ وطني"؛ ماذا حدث حتى وصلوا إلى هذا المسار المتدهور السريع؟ وفيما إذا كانوا بالفعل رفعوا الأيدي و"التسليم" بالعجز، فلماذا لم يستقيلوا، إذن، ويُخلوا مسؤوليتهم أمام الرأي العام؟!
هل يمكن الحديث عن إرادة سياسية لإصلاح حقيقي، وعن تطبيق لمخرجات لجنة الحوار الوطني، في ظل هذه الأجواء المشحونة وفي سياق خطاب إعلامي تحريضي شرس ضد القوى والتيارات السياسية، تصدح به بعض الإذاعات وتسمّم العلاقات بين الناس منذ ساعات الصباح الأولى، وتخلق لغة التخوين والاتهام، مباشرةً أو غير مباشرة، ضد الناشطين السياسيين؟!
بالرغم من أنّ الأجواء السياسية داخل لجنة الحوار الوطني تبعث على الاطمئنان مبدئياً، لما تحمله من حوار عميق ومتعدد الألوان والأبعاد، إلاّ أنّ الأجواء السياسية خارج اللجنة، التي تتم عملية صناعتها بسرعة أكبر، تثير لدينا هواجس حقيقية بأنّ من شككوا في النوايا الرسمية للإصلاح السياسي سيكسبون الرهان بامتياز!
الغد