24-04-2011 07:07 AM
كل الاردن -
محمد أبو رمان
رغم حجم الحديث المتضخّم والمكثّف عن الإصلاح وضرورته وأهميته في "أوساط" القرار الرسمي، إلاّ أنّ الصورة الواقعية تبدو معاكسة تماماً لذلك، وكأنّ عُقدة السياسة الأردنية أصبحت عدم القدرة على المضي خطوات إلى الأمام، واعتياد "الدوران حول النفس"، بينما العالم يتغيّر ويتطوّر من حولنا!
في الأيام القليلة الماضية ضرب العنف وسط البلد، وتجرأ "البلطجية" بالخروج من حيّز "تخريب" المسيرات والمظاهرات الإصلاحية إلى "تصفية الحسابات" على نطاق أوسع، وبالطريقة نفسها!
المشهد نفسه في الجامعات، فعادت لتعاني من العنف والصدامات الداخلية على نطاق واسع، فيما يبدو أنّ هذا المنطق: العنف والبلطجة، هو الذي انتصر اليوم على فلسفة الإصلاح، طالما أنّ هنالك "شرعنة" رسمية له هنا أو هناك، فهذا يمنحه قوة واقعية، ويجعل له "مداخل" على أرض الواقع.
الحكومة قامت فقط بمحاسبة "البلطجية" في الجمعة الأولى عند الجامع الحسيني، عندما اعتدوا على مسيرات المعارضة، ثم ضربت الذين اعتدوا على رجال الأمن في الزرقاء، لكن بين هذا وذاك، وبعده، فإنّ "البلطجة" كانت مشهداً طبيعياً، ويحظى بمباركة ضمنية، وهو ما بدأنا ندفع ثمنه الآن، وسيكون ذلك مضاعفاً في الغد.
المشكلة واضحة، تماماً، فهنالك مراكز قرار لا تريد إصلاحاً نوعياً جدّياً يمثّل "نقطة تحوّل" وبداية حقيقية لمرحلة سياسية مختلفة عن المرحلة السابقة، نقوم من خلالها بمعالجة الاختلالات الكبيرة و"التدمير" الذي طال أغلب مناحي الحياة، سياسياً واقتصادياً وأكاديمياً، وأصاب الثقافة الاجتماعية، وخلق شروخاً ونمّى هويات وقناعات مناقضة تماماً للطموح بنموذج ديمقراطي ودولة عصرية تحتكم إلى قيم القانون والمواطنة.
ليس من السهولة اختزال المشهد السياسي في لونين، فهنالك خطوط تماس غير واضحة، وأجندات ملتبسة، وهواجس متبادلة، تخلق حالة من "التخندق" و"التصنيف"، وهي حالة خطرة تماماً، تسري طولياً وعرضياً في البلاد.
مع ذلك، فإنّ المحك الجوهري يكمن بالإجابة عن سؤال مهم جداً لدى "مطبخ القرار"، وهو: هل هناك بديل عن إصلاحات جدّية ونوعية تؤسس لمرحلة جديدة، وتنقل المعادلة السياسية إلى مربعات مختلفة في مواجهة الأزمات المركّبة الحالية؟!
نحن، باختصار، أمام ثلاثة خيارات: الأول إبقاء الوضع الراهن، وهذا مستحيل ومضرّ بالاستقرار السياسي والاجتماعي ومرهق لمطبخ القرار نفسه، والثاني الهروب إلى أمام بإصلاحات جزئية شكلية، لن تغيّر الواقع، وستعيد إنتاج الأزمات بدرجة أكبر تعقيداً، والثالث هو الإصلاح البنيوي الذي يؤسس لمستقبل تنتهي فيه الجدالات والسجالات العقيمة، ونتفرّغ لمواجهة التحديات والتهديدات الحقيقية، وبدرجة رئيسية: الاقتصادية والتنموية والطاقة والتعليم.
في سياق هذه التداخلات والأجندات "المتعارضة"، فإنّ ما يمكن أن يخرج عن لجنة الحوار الوطني منتصف الشهر المقبل، يمثّل اليوم مخرجاً من "الحلقة المقفلة" الحالية، ويضع أسس تجديد النظام السياسي، لكن هذا مشروط بأمرين: الأول، عدم وجود تيار يدفع بالاتجاه المضاد داخل اللجنة، والثاني رسالة واضحة عملية، وليس فقط نظرية، بالإفراج عن الحياة السياسية، والوصول إلى "وصفة توافقية" وتركيبة جديدة تدفعنا خطوات إلى الأمام.
ما حدث في الأسابيع القليلة الماضية هو "فرملة" لطموح الإصلاح ونواياه من خلال استدعاء مربع الفزّاعات التقليدية، سواء بالتلويح بـ: الشروخ الاجتماعية أو الصراع مع جماعة الإخوان، أو الجماعات الراديكالية في الشارع.
للأسف، فإنّ ذلك يعود بنا إلى المربع الأول، إذ إنّ قرار الانطلاق نحو الإصلاح بني على أنّ "العقم السياسي" هو الذي ولّد الأزمات الحالية الخانقة، ولا أظن أنّه يمكن بعد اليوم بيع هذه "البضاعة الكاسدة"، لا داخلياً ولا خارجياً!