27-04-2011 09:58 PM
كل الاردن -
وسط ترقب دولي وصمت إعلامي دخلت الثورة السورية منعطفاً خطيراً بعد أن قرر الرئيس بشار الأسد استخدم الدبابات في قمع الثورة ضد حكم حزب البعث، مستنسخاً بذلك تجربة العقيد الليبي على الأراضي السورية.
حرب إبادة
وفي حين أعلن مركز سواسية لحقوق الإنسان أن حصاد الدم في سوريا تجاوز الـ400 قتيل و500 معتقل، اتهمت جماعة الإخوان المسلمين السورية النظام السوري بشن «حرب إبادة ممنهجة ضد الأبرياء» من أبناء الشعب الذين خرجوا يهتفون للحرية وللوحدة الوطنية. واستنكرت الجماعة « الصمت العربي الرسمي والشعبي، وصمت الجامعة العربية على المجازر البشعة التي يمارسها النظام المستبدّ ضد أبناء شعب سوريا».
وتبدو الأمور وقد خرجت عن سيطرة الرئيس السوري بعدما بدأت فرق من الجيش السوري في حركة انشقاق عن النظام وأعلنت تأييدها للمتظاهرين المطالبين بالحرية، ما أحرج النظام السوري. وأكد الناشط الحقوقي عبد الله أبا زيد في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الفرنسية، أن ''جنودا من الفرقة الخامسة انشقوا وانضموا إلينا ويتواجهون'' مع الجيش الذي يحاصر درعا.
وفي أول مؤشر على تشديد الموقف الأمريكي حيال القمع، أعلنت واشنطن أنها تدرس خيارات عدة 'منها فرض عقوبات محددة الأهداف' على مسؤولين سوريين كبار، فيما وزعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال في مجلس الأمن الدولي مشروع إدانة للقمع الدامي للتظاهرات في سورية، قد يُعلن نصه خلال الساعات القليلة القادمة إذا ما توصلت الدول الأعضاء الـ15 إلى اتفاق بالإجماع.
أزمة إقليمية
ترددت تساؤلات بشأن ما إذا كان فرض عقوبات أميركية على الأسد والمحيطين به كتلك التي فرضت على القذافي وأنصاره سيكون له تأثير ملموس كبير. وإذا فرضت عقوبات غربية فقد يدفع ذلك سورية إلى مزيد من الارتماء في أحضان طهران ويهدد بمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
أما في إسرائيل وعلى الرغم من إصدار رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، تعليمات لوزراء حكومته بإتباع سياسة الصمت وعدم التعليق على الأحداث الجارية فى سوريا، إلا أن دبلوماسيين ومحللين إسرائيليين رأوا في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن أحداث سوريا قد تفيد 'إسرائيل' من خلال نيلها من نفوذ إيران، لكنها تثير في الوقت نفسه مخاوف من حصول توترات جديدة بين الجانبين في شمال فلسطين المحتلة وزعزعة الاستقرار في حال سقوط النظام. ورأى إيال زيسر الباحث الأخصائي في شؤون الشرق الأوسط في 'جامعة تل أبيب' أن على 'إسرائيل' أن تقلق من الوضع على الحدود في هضبة الجولان .
فهو هادئ في الوقت الحاضر لكن من يعلم كيف سيكون في حال تغيير النظام؟، كذلك حذر البرفسور ايتامار رابينوفيش السفير السابق في واشنطن والمفاوض السابق مع سوريا، من أن أي انتفاضة في هذا البلد قد تقود إلى 'أزمة اقليمية'. واعتبر الخبير العسكري اليكس فيشمان أن 'مع نظام الأسد، وإن كان حليفا لإيران وحزب الله، تعلم إسرائيل ما يمكن توقعه' . وأضاف 'من تعرفه هو أفضل ممن تجهله'.
وتنحصر الخيارات المتاحة أمام الغرب في سورية في عده خيارات وهي: إما إصدار بيانات تدين الاستخدام المفرط للقوة، أو السعي إلى فرض عقوبات من الأمم المتحدة، أو إجراء تحقيق من خلال المحكمة الجنائية الدولية، أو تقديم دعم عملي للمحتجين المطالبين بالديمقراطية، أو التدخل العسكري. ويتفاوت رد الفعل في رأي المدافعين عن حقوق الإنسان طبقا لطبيعة كل حالة على حدة. فالقوى الغربية التي قررت التدخل العسكري في مواجهة الزعيم الليبي معمر القذافي استنادا إلى مبدأ في الأمم المتحدة يقوم على تحمل المسؤولية في حماية المدنيين، اقتصر رد فعلها على مقتل نحو 400 شخصا في سورية على الغضب الذي لم يتجلَ إلا من خلال التصريحات، فالمصالح الاقتصادية والأمنية للغرب، والقيم الإنسانية تختلف في كل حالة، لكن ما يعد ازدواجية في المعايير يثير السخط في الشرق الأوسط والرأي العام في دول غربية.
عرض رعب
يرى مراقبون أنه لا يزال بمقدور الأسد النجاح في تهدئة هذه الاضطرابات. لكن في سبيل القيام بذلك عليه أن يحقق الآمال التي بنيت عليه من قبل عندما ارتقى إلى سدة الحكم بعد وفاة أبيه قبل 11 عاما، ومواجهة عائلته التي تسيطر على أجهزة الأمن السورية القمعية التي تدفع باتجاه استمرار العنف، الذي حصد يوم الجمعة الماضي نحو 120 قتيلا، في أعنف يوم منذ بدء الانتفاضة. ويعتقد أندرو تالبر، المحلل في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى وعدد آخر من المحللين أن الأسد لا يزال قادرا على السيطرة على الموقف عبر الإعلان عن تنازلات ضخمة مثل تخلي حزب البعث عن السلطة أو الإعلان عن إقامة انتخابات نزيهة. لكن التلميحات التي بعث بها بشار الأسد إلى الآن لا تزال قليلة جدا، ومتأخرة للغاية.
وعلى عكس مصر وتونس، تتألف سورية من مزيج من العرقيات الدينية والاثنية، يخشى الكثيرون أن يؤدي انتهاء حكم عائلة الأسد الذي دام 40 سنة إلى انطلاق أعمال قتل وحشية وصراع على القوة، قد تفضي إلى حرب أهلية مستعرة، وترى صحيفة 'الأندنبندنت' البريطانية أنه في حالة صحة نظرية المؤامرات التي يؤكد عليها النظام السوري وقتل أفراد الشرطة والجيش على أيدي مسلحين، فإن سوريا على شفا الانزلاق إلى حرب أهلية بالفعل. ووصفت الصحيفة في مقال للكاتب روبرت فيسك، بأنه أصبح 'عرض رعب'، حيث الجثث العارية المصابة بالعديد من الطلقات النارية وسكاكين وأسلحة بيضاء مغروسة في مؤخرة رؤوس الجنود، مشيرة إلى أن الجثث لا شك في أنها حقيقية، ولكن الشك هنا يكمن في أنها تتبع قوات الشرطة والجيش.
ولكن أذا صح القول بأن جماعات مسلحة هي التي تجوب شوارع سوريا، وتقتل المدنيين وأفراد قوات الأمن، فهذا يعني أن المعارضة تستعد لاستخدام القوة ضد المعتدين عليهم، وبالتالي على نظام الرئيس السوري الاستعداد للدخول في حرب أهلية.
خريطة جديدة
تبدو أزمة نشوب حرب أهلية في سوريا أكثر خطورة مما يحدث في ليبيا، حيث تتزايد التخوفات من إمكانية أن تنتقل الفوضى في سوريا إلى دول الجوار كلبنان وما عداها. ويفسر الكاتب الأميركي روبرت دي كابلان في مقال تستعد مجلة فورين بوليسي لنشره في عددها الفصلي الجديد الشهر القادم، ذلك التخوف بالقول إن سوريا بسبب موقعها المتوسط بالمنطقة كانت تشكل مركزا قويا استطاع حتى الآن ضبط هذه الاهتزازات العرقية والدينية وعدم انفلاتها خارج الحدود الدولية، لكن تفجير هذا المركز عرقيا وطائفيا -بأي أداة كانت ولأي سبب كان- سيعني وبكل تأكيد تحويل الشرق الأوسط إلى خريطة جديدة تفوق في تعقيداتها الوضع بالعراق بعد 2003.
وحتى إن نجا الرئيس الأسد من أزمته الحالية، فمن المتوقع أن تلقي الاضطرابات بظلالها محدثة تأثيرات عميقة في سياسات الشرق الأوسط، على حد قول بعض المحللين. فيقول أندرو تالبر: «كانت سياستنا تجاه سورية خلال العامين ونصف الماضيين مبنية بشكل رئيسي على إعادة سورية وإسرائيل إلى طاولة التفاوض. والآن يتهم بشار الأسد إسرائيل والولايات المتحدة بالتحريض على هذا التحدي الذي يواجهه، ومن ثم سيكون المسعى الأميركي في إعادته إلى طاولة المفاوضات بالغ الصعوبة».
** وحدة الدراسات الإقليمية ـ مركز البحوث والدراسات الإعلامية