بمقتل اسامة بن لادن، خسر تنظيم القاعدة مؤسسه وقائده، ورغم ذلك يؤكد المحللون ان مقتله لن يؤدي الى القضاء على الشبكات المسلحة المنتشرة في افغانستان وباكستان اللتين يتوقع ان تشهدا مزيدا الهجمات انتقاما لمقتله.
وحذر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ليون بانيتا، من أن تنظيم القاعدة قد يحاول الانتقام لمقتل زعيمه، أسامة بن لادن، بعد أن تم توجيه ضربة قوية، لمن وصفهم بـ'الأعداء.'
وقال بانيتا في رسالة وجهها لموظفي الوكالة: 'اليوم تخلصنا من المطلوب الأول والأكثر شهرة في عصرنا.. فقد قامت قوة أميركية ضاربة باجتياح مجمع سكني في أبوتاباد في الباكستان، وقتلت أسامة بن لادن،' مؤكدا أنه لم يقتل في العملية أي عنصر من عناصر القوة الأميركية.
وأوضح بانيتا أن العملية جاءت تتويجاً لجهود متواصلة ومكثفة لعدد من عناصر الوكالات الاستخباراتية.
القاعدة لم تمت
غير أن بانيتا قال محذراً: 'رغم أن أسامة بن لادن قتل، إلا أن تنظيم القاعدة لم يمت، وبالتأكيد فإن الإرهابيين سيحاولون الانتقام لمقتله، وعلينا أن نظل حذرين ومستعدين.'
وأضاف: 'لقد وجهنا ضربة قاصمة للأعداء.. ولم يعد، زعيمهم الوحيد الذي عرفوه، لم يعد موجوداً.. والزعيم الذي كان يفترض أنه لا يمكن القبض عليه.. تم أخيراً القبض عليه وقتله، ولن نرتاح قبل جلب آخر عنصر منهم إلى العدالة.'
وتعهد أعضاء في منتديات جهادية الاثنين بالانتقام من قتل الولايات المتحدة لزعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن في حين دعا اخرون الا يكون النبأ صحيحا.
الجهاديون يتوعدون
وقالت رسالة على منتدى باللغة العربية انهم يدعون الله الا يكون هذا النبأ صحيحا وأن تحل 'لعنة الله على اوباما.' وتوعدت الرسالة الاميركيين قائلة ان قطع رقابهم ما زال امرا مشروعا.
وحث بعض اعضاء المنتديات غيرهم على عدم تصديق النبأ حتى يتأكد عبر الانترنت من مصادر اخبارية للمتشددين.
وقالت رسالة بمنتدى الانصار ان مصدر الاخبار الذي يثقون به هو ما يأتي من المجاهدين. ودعت الرسالة الى الصبر وعدم نشر 'الشائعات' وطالبت بعدم كتابة اي شيء عن الموضوع.
وبعد ساعات أغلقت التعليقات التي تناقش موت بن لادن.
لكن (اسد الجهاد2) الذي تصفه مؤسسة سايت للمراقبة بأنه 'عضو بارز في مجتمع الجهاديين على الانترنت' اعترف بموت بن لادن وتعهد بالانتقام.
ونقلت سايت عنه قوله في منتدى شموخ الاسلام ان العالم بأسره معلق بموت رجل واحد ولو أن كل اعدائه قتلوا فلن يكون تأثيرهم مثل تأثيره.
وتعهد بالانتقام نيابة عن 'الامة الاسلامية' لموت 'شيخ الاسلام'. وقال انه يطالب من يتمنى ان تكون هذه هي نهاية الجهاد او وسيلة لاضعاف التنظيم بأن ينتظروا قليلا.
ويمثل مقتل بن لادن في قصر خارج العاصمة الباكستانية اسلام اباد ضربة رمزية للتنظيم العالمي المتشدد بالرغم من أن رسائل المنتديات الاسلامية قالت ان قتل بن لادن لن يغير من التزامهم بقتال القوى الغربية.
وذكرت رسالة في منتدى اسلامي اخر ان أسامة بن لادن ربما يكون قتل ولكن رسالته للجهاد لن تموت ابدا وأضافت أن وفاته ستكون نعمة مقنعة.
شيخ الجهاديين قتل في قصر لا مغارة
وأشار عضو في منتدى اخر الى المفارقة وراء المكان الذي قتل فيه بن لادن وهو ما يتناقض مع الشائعات منذ وقت طويل عن انه كان يختبيء في كهوف وأضاف انه 'أمر مثير' بعد عشر سنوات من الاختباء في الجبال أن يقتل في نهاية المطاف في قصر خارج اسلام اباد. لكن الحزن كان هو الشعور السائد.
وقالت رسالة في منتدى أنصار المجاهدين الناطق بالعربية 'لينتقم الله منك يا كلب الروم ... لينتقم الله منكم أيها الصليبيين' ووصفت الخبر بانه 'مأساة'.
وكانت المنتديات الالكترونية للاسلاميين المتشددين الوسيلة الرئيسية لتمرير رسائل من بن لادن والرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري فضلا عن الاذرع الاقليمية للشبكة مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب باليمن.
وقال المحلل الامني تيودور كاراسيك التابع لمجموعة انيجما ومقره دبي 'المنتديات لعبت دورا في الاتصالات ونقل الافكار لاتباع القاعدة مثلما استخدم المحتجون المطالبون بالديمقراطية في الثورات التي اندلعت في العالم العربي عام 2011 موقعي فيسبوك وتويتر.'
وعادة ما يستخدم الجهاديون المنتديات كذلك لتبادل معلومات عن تصنيع المتفجرات واساليب الهجمات أو التعبير عن أرائهم في الاحداث العالمية.
وسخر أعضاء في المنتديات من احتفالات الاميركيين بمقتل بن لادن حيث تجمعت حشود أمام البيت الابيض وفي مكان مركز التجارة العالمي بنيويورك الذي استهدفته هجمات 11 سبتمبر.
وصرح رحيم الله يوسفزاي الخبير في شؤون القبائل انه من المتوقع ان 'ترد الجماعات المتحالفة مع القاعدة' على مقتله.
وقال ان تلك الجماعات 'لن تتغاضى عن خسارتها لبن لادن، وسيرد حلفاء التنظيم الجهاديين وطالبان الباكستانية بشن هجمات انتحارية'.
والعملية التي نفذتها القوات الاميركية الخاصة على مخبأ بن لادن الذي كان يبعد مسافة ساعتين فقط عن العاصمة الباكستانية اسلام اباد وكيلومترا واحدا عن اكاديمية للتدريب العسكري، وضعت الجيش والمؤسسة العسكرية الباكستانية بين شقي الرحى.
واذا ما اعتبر المسلحون باكستان شريكا في العملية، فمن المرجح انهم سينفذون عمليات انتقامية ضدها. اما التاكيد على انه لم يتم اخبار اسلام اباد مسبقا بالعملية فسيكون اعترافا مهينا بان القوات الاميركية تستطيع ان تعمل على الاراضي الباكستانية كيفما تشاء.
وكانت باكستان سارعت الى الانضمام الى الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على الارهاب التي اعلنها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش عقب هجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001 على بلاده.
وقتل اكثر من 4240 شخصا في باكستان في هجمات تفجيرية القيت مسؤوليتها على مسلحين مرتبطين بالقاعدة منذ تموز/يوليو 2007. وقتل اكثر من 2795 جنديا باكستانيا في القتال منذ عام 2004، واصيب 8671 اخرون.
وعززت باكستان الاثنين اجراءاتها الامنية بشكل كبير في العاصمة اسلام اباد حول المنشات الدبلوماسية الحساسة وحول الموقع الذي قتل فيه بن لادن في بلدة ابوت اباد على بعد 50 كلم من اسلام اباد.
وفي افغانستان التي تشهد تمردا لطالبان منذ عشر سنوات يهدف الى الاطاحة بالحكومة، قال الحلف الاطلسي ان مهمته ستستمر.
وصرح الرئيس الافغاني حميد كرزاي الاثنين ان مقتل بن لادن في باكستان يثبت ان الحرب على الارهاب يجب ان تجري ضد قواعده ومصادره غير الموجودة في افغانستان.
وقال كرزاي 'نقول كل يوم منذ سنوات ان الحرب على الارهاب يجب الا تجري ضد (...) الشعب الفقير والمقهور في افغانستان' بل 'ضد مصادره المالية وملاذاته وقواعد التدريب التي يملكها غير الموجودة في افغانستان وهذا يثبت اننا كنا محقين'.
القاعدة لا تزال على حالها
ورأى عمر شريفي المحلل في المعهد الاميركي للدراسات الافغانية ان مقتل بن لادن لا يعدو ان يكون ضربة نفسية، حيث ان القدرات القتالية للقاعدة وغيرها من الجماعات المسلحة في المنطقة لا تزال على حالها.
واضاف انه 'توجد ادلة قوية بان القاعدة ناشطة في افغانستان وتتعاون بشكل وثيق مع طالبان .. يوجد الكثير من المقاتلين الشيشان والعرب والباكستانيين المعتقلين المرتبطين بالقاعدة'.
غير ان الخبراء يعتقدون ان بن لادن لم يكن سوى ملهم للخلايا الاسلامية المتطرفة التي تعمل في كافة انحاء العالم، ويشيرون الى ان ايمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة هو الهدف الاهم نظرا لمهاراته التنظيمية الدقيقة.
ولا يزال الظواهري طليقا ويعتقد انه في باكستان.
ووصفت اجهزة الاستخبارات الاميركية المصري ايمن الظواهري، وليس بن لادن، بانه 'القائد المفكر' لتنظيم القاعدة حيث ان معظم العناصر التابعة للقاعدة هم مصريون ويدورون في فلك الظواهري وليسوا سعوديين يرعاهم بن لادن.
واشار جيسون بورك مؤلف كتاب عن القاعدة، الى ان التنظيم يصبح 'هامشيا بشكل متزايد'.
واضاف ان 'القاعدة لم تكن في تاريخها سوى جزء من ظاهرة اوسع للحركات الاسلامية السنية المعاصرة، وهي الظاهرة التي تعود جذورها الى عقود وربما قرون ماضية' في العالم الاسلامي.
ومع انتشار العديد من الشبكات والجماعات، فان القليلين يعتقدون ان مقتل بن لادن سينهي النزاع.
وراى يوسفزاي ان 'القاعدة تعاني من الضعف .. و(مقتل بن لادن) هي اكبر خسارة تواجهها. ولكن سيبقى الكثير من الاشخاص الذين يتبعون ايدلوجية بن لادن، والحرب لن تنته لان القضايا لم تنته'.
وحذر بين فنزكي من مجموعة 'انترسنتر' الاميركية للمراقبة من انه من المرجح ان تشن هجمات انتقامية واسعة بعد اشهر او عام او ربما اكثر.
واضاف ان 'الخطر الاكبر هو من الافراد او الجماعات الصغيرة التي تحولت الى التشدد ولا تعمل تحت قيادة مجموعة اكبر'.
واضاف ان 'الاثر الاكبر على هيكل وقوة التنظيم للمحافظة على قدراته ونمطه في شن العمليات تكمن في شن ضربات متواصلة على القيادات البارزة في التنظيم'.
(ميدل ايست)