22-05-2011 08:55 AM
كل الاردن -
رنا الصباغ
ينهش الاختراق الخارجي والداخلي حكومة معروف البخيت بعد أربعة أشهر على تكليفها بتسريع الاصلاحات السياسية "الحقيقية" كخطوة استباقية على وقع ربيع الثورات العربية التي باغتت أنظمة متكلسة فأطاحت باثنتين منها ووضعت أخرى على المحك.
وبدلا من استغلال زخم ثورات الشعوب والمتغيرات الاقليمية لنقل الاردن إلى مركز الريادة الديمقراطية والخروج بأقل الخسائر على المستويات السياسية, الاقتصادية, الامنية والشعبية, يتواصل التناحر بين صناع القرار الاستراتيجي على حساب الهدف المنشود.
مكاسرة الارادات الجانبية تتعمق لتحرم الدولة من قدرة التفكير بعقل واحد والعمل فريقا متجانسا لحماية المصلحة الوطنية العليا.
صراع القوى المعهود بات يؤثر على قدرة الاردن على مواجهة تحديات الاصلاح ومحاربة الفساد بعقلانية استجابة لمطالب أحزاب المعارضة وحراك الشارع, الذي أحيا برنامج التحول صوب الديمقراطية بعد سنوات من المماطلة. وإذا ظل الوضع على ما هو عليه, فلا مانع لدى القوى الشعبية من تحركها مجددا بعد أسابيع من انتظار التحديث والتغيير, كما حدث يوم الجمعة. الفشل في معالجة الاحتقان في الطفيلة والتهرب من الحوار المباشر مع المعتصمين هناك وغمغمة ملف "شاهين غيت" قد يعجّل في رحيل الحكومة. فلنتنّبه إلى الغضب المتلبد في سماء المحافظات المهمشة, وسط شعور بالغبن, القهر وتدوير الوعود الحكومية.
من جهته, ينشغل البخيت هذه الايام في "قلع الشوك بيديه", بعد أن تخلّت عنه مراكز القوى في وقت مبكر نسبيا من متوسط عمر الحكومات, مع أنه يعد صاحب حظوة لأنه أول رئيس وزراء يعاد إلى الدوار الرابع مرتين خلال عهد الملك عبدالله الثاني.
عين الرئيس على حراك أعضاء فريقه غير المتجانس الذي بات يعمل كجزر معزولة. يتعمق الصراع بين وزيرين أساسيين, الاول عينه على منصب الرئيس والثاني على منصب الوزير السيادي الذي يحاول الجلوس مكان الرئيس. كل واحد يعمل ضد الاخر. القصر بات مرجعية اثنين من الوزراء, لم يكن للبخيت رأي في تعيينهم أصلا, بمن فيهم وزير الخارجية ناصر جودة.
رئيس الوزراء, مثلا, لم يعرف عن زيارة وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل, الذي جاء قبل أيام ليزف للملك بشرى موافقة مجلس التعاون الخليجي على انضمام الاردن إلى "نادي الاثرياء", الا بعد أن غادرها, بينما حضر جودة اجتماع القصر. قبل أسابيع احتج البخيت على رئيس الديوان الملكي, خالد الكركي لأنه اتصل مباشرة مع وزير التعليم العالي ليطلب منه وقف التدخلات الامنية في حرم الجامعات, ما عدّه الرئيس تعديا على الولاية العامة.
كل من البخيت والكركي يقفان اليوم لبعضهما بالمرصاد. وبات الملك يشعر بحدّة ٍالعلاقة بين الرجلين في غالبية الاجتماعات الحيوية التي يحضرها. أحبط الكركي مخطط الرئيس بتعيين وزير سابق رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة صحافية مؤثرة تملك فيها مؤسسة الضمان الاجتماعي أكثر من 60% من أسهمها بدعوى انه "يساري", بعد أن أبلغ الرئيس الشخص المرشح بالمنصب الجديد.
فجأة, ومن دون علم الكركي, اتخذت الحكومة قرارا بتسفير السجين خالد شاهين المطلوب للتحقيق في قضايا فساد جديدة الى أمريكا للعلاج بحجة أن حياته في خطر لتكشف "العرب اليوم" لاحقا أنه يتعشى في مطاعم لندن برفقة عائلته. هذا القرار أثار حيرة الشارع حيال جدية وعود مكافحة الفساد ما اضطر مستشار الملك لشؤون الاعلام أمجد العضايلة لأن يصرح أن رأس الدولة لم يمكن على علم بهذا القرار, وأنه لم ير الملك غاضبا من قبل بالطريقة التي رآه فيها.
وتتواتر تسريبات حول انتقادات من القصر بأن الرئيس وغالبية طاقمه المسيس والمؤدلج يركزون جل جهدهم على الملف السياسي في غياب مطبخ اقتصادي قادر على اجتراع حلول للتعاطي مع ٍعجز الموازنة الخطير, الذي قد يعيد تحريك الشارع بسبب الحاجة للقمة العيش قبل التنعم بالحريات العامة. وزير المالية محمد أبو حمّور يشعر بإحباط لأن الرئيس لا يتجاوب مع سياسته المالية. داخل الحكومة ثلاث مدارس اقتصادية, تبدأ بالليبرالية وتنتهي بالمطالبة بعودة سيطرة الحكومة على الاقتصاد.
الاسبوع الماضي, خرجت لجنة الحوار الاقتصادي بتوصيات اعتبرها كثيرون تجميعا لما طرح في الادبيات السابقة مثل الاجندة الوطنية واللجان المالية في مجلسي الاعيان والنواب وغيرها.
وهناك بطء في معالجة عشرات الملفات المعلقة ما يثير سخط المتطلعين إلى التغيير وحياة أفضل. ولا يبدو أن رئيس الوزراء تعلم من تجربته السابقة في الدوار الرابع (2005-2007), حين تخطته الاحداث وتعدّت مراكز القوى على صلاحياته.
خارج محيط الدوار الرابع, يواجه الرئيس عداء القطاع الخاص, المحرك الاكبر للاقتصاد ومستقطب الاستثمارات, الذي تحتاجه المملكة اليوم لتوفير فرص عمل لأكثر من 60 ألف شاب وشابة يتخرجون إلى سوق العمل سنويا. فهناك شبه قطيعة بين الطرفين. لم يعجب هذا القطاع ما نقل عن البخيت لدى تشكيل الحكومة بأنه يريد اختيار غالبية وزرائه من طبقة "أولاد الحراثين" القريبة من هموم الشارع.
حتى تعاطي الحكومة مع أوامر الملك بفتح ملف الفساد لم يكن موفقا. فالحكومة تخبطت ولم تعكس صلاحياتها أو درايتها بالدستور. إذ أحالت إلى الهيئة ملفات فساد تتعلق بوزراء سابقين, بدلا من إرسالها لمجلس النواب, صاحب السلطة في رفع الحصانة عن الوزراء السابقين والحاليين, وبالتالي علق هذا الملف بين السلطتين. وهذا التخبط خلق صراعا بين الحكومة والهيئة من جهة وبين الهيئة ومجلس النواب من جهة أخرى.
في العلاقة بين الامن والحكومة والقصر, ليس ثمة بوادر لاستراتيجية موحدة في التعاطي مع الملف السياسي والامني. فلا تزال المنظومة الامنية تدور في فلك بعيد عن سياسات الحكومة. آخر حالات التضارب ما حصل مع المسيرة المطالبة بحق العودة في غور الاردن, وقبلها الطريقة التي استخدمتها قوات الدرك لفض الاعتصام على دوار الداخلية في وقت وضعت الحكومة مشروعا لتعديل قانون الاجتماعات العامة. فمن جهة يصعد الرئيس من خطابه الرسمي بأن المملكة لن تمرر أي اتفاق تسوية للقضية الفلسطينية من دون حق العودة والتعويض للمواطنين الاردنيين اللاجئين, في المقابل تفض قوات الدرك مسيرة غور الاردن التي تؤكد حق العودة. ويطال التدخل الامني صحافيين وضيوفا أتراك. ثم يخرج وزير الاعلام طاهر العدوان, الذي لا يحسد على منصبه, بإعلان صريح على صفحة الفيسبوك بأن ما حصل كان خطأ, مقرا بعدم وجود تنسيق بين الاجهزة الحكومية.
ولم تسلم الاجهزة الامنية, الركن الاساسي في حماية النظام, من انتقادات أبناء "السيستم". إذ تلتقي طروحات الكركي وعدد من الوزراء مع أدبيات الهيئة التأسيسية للجبهة الوطنية للإصلاح, التي أشهرت أمس بمبادرة من رئيس الوزراء الاسبق أحمد عبيدات وثمانية أحزاب غالبيتها غير ممثل بلجنة الحوار الوطني وعشرات الشخصيات النقابية والسياسية. من جملة ما تطالب به الجبهة إصلاح المؤسسة الامنية بجميع أجهزتها وإلغاء الصلاحيات الاستثنائية التي "منحت لها أو منحتها لنفسها", ووقف تدخلها من دون أي سند قانوني في الجامعات, الاتحادات الطلابية, النقابات العمالية والمهنية وفي عمل المؤسسات الاعلامية ومؤسسات المجتمع المدني. كما تطالب بتوفير ضمانات قانونية لمساءلة منتسبيها على ما يرتكبونه من انتهاكات لحقوق الانسان والحريات العامة.
لجنة الحوار الوطني بقيادة طاهر المصري, رئيس مجلس الاعيان, التي شارفت على الانتهاء من صوغ قانوني الانتخاب والاحزاب إضافة إلى ديباجة سياسية, لم تسلم هي الاخرى من ضغوط المنظومة الامنية والمحافظين المتنفذّين ممن يعملون باستمرار على وأد الاصلاحات السياسية قبل حل القضية الفلسطينية. وبدلا من فتح باب النقاش على مصراعيه لحل لغز المواطنة لطمأنة جميع الاردنيين على هوية وطنهم ومستقبله, يتبارى الفرقاء تحت الطاولة ما ينذر بنسف مشاريع الاصلاح.
يتحدث عدد كبير من أعضاء اللجنة عن حجم الضغوط التي تسعى لتعطيل المسار والابقاء على النظام الانتخابي القائم على أساس الصوت الواحد ضمن دوائر فردية مع إدخال تعديلات شكليه, من خلال قائمة نسبية على مستوى الوطن لا المحافظة وبنسبة لا تزيد على 15% من مقاعد مجلس النواب. هذه القوى ضغطت وتضغط بكل الاتجاهات لتصغير حجم التحديث المطلوب وتخويفه من نتائج الانفتاح السياسي. في المقابل تطالب أصوات كثيرة داخل اللجنة ب¯ 50% كحد أدنى على مستوى الوطن, على أن يرفع الموضوع للملك لحسم عقدة "النسب" خلال الايام المقبلة. ويستمر تخوف البعض من بقاء الاصلاحات حبرا على ورق.
التخبط والتضارب بين مؤسسات القرار الاستراتيجية تستدعي مرة أخرى ضرورة تغيير النهج القائم, وتسريع الاصلاحات السياسية والدستورية لإعادة الشرعية إلى المؤسسة التشريعية وإفراز حكومات مستقبلية على أسس برنامجية بدلا من استمرار الاختباء وراء القصر والمس بشعبية وصدقية النظام. وقد يتطلب ذلك حل مجلس النواب, إجراء انتخابات مبكرة بإشراف هيئة مستقلة, ربما قبل نهاية العام. فإنجاز حزمة الاصلاحات السياسية والدستورية لا يعني شيئا إذا لم يترافق ذلك مع خطوات فعلية.
كفانا تحويل الاردن إلى حقل تجارب. ولننتهي من التخبط في برامج إصلاح, بعضها متناقض بمرجعيات متضاربة في غياب حسم القيادة. وكذلك الاعتماد على شخصيات سياسية على "قد مقاس اليد" خالية من اللون والطعم. وكفى اللجوء للعصا الامنية من دون حل سياسي.
احد الشعارات التي طرحت في مسيرة الطفيلة يوم الجمعة اختزلت المشهد القائم: السلطة التشريعية +السلطة التنفيذية + السلطة القضائية = جهات أمنية.0
rana.sabbagh@alarabalyawm.net