أضف إلى المفضلة
الجمعة , 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
شريط الاخبار
بحث
الجمعة , 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


السنيد يكتب: سنوات التهرب السياسي في الاردن

14-05-2016 03:11 PM
كل الاردن -
كتب النائب علي السنيد:

في اعقاب سنوات غير مسبوقة من المظاهرات المتواصلة في الاردن، والتي جابت ارجاء القرى والمحافظات المملكة منادية بالاصلاح، والتغيير، وكانت المساجد منطلقاتها الاسبوعية ، ورفعت هذه المظاهرات سقف الشعار السياسي بما لم تبلغه كافة القوى السياسية، واشدها تطرفا في كل تاريخها، وكانت شكلت قلقاً حقيقياً للمؤسسة السياسية، ومخاوف من ان تنتقل فوضى الربيع العربي بكافة تجلياتها الى الاردن ، وكان بعض الهامش الديموقراطي هو الذي امن عدم انزلاق المملكة الى ذات المصير الذي انساقت له العديد من انظمة المنطقة، وقد سقط فيها النظام العام، وانشطرت الجيوش، وتمزقت وحدتها الترابية، واسفرت عن مرحلة عربية دامية تقاتلت فيها اجيال شابة مع القوى الامنية بالسلاح.

وقد كان حظنا في الاردن احسن حالا ، وتمكن الهامش الديموقراطي ، وتوازن المجتمع الاردني من ان يوفر لنا طوق النجاة في عز ازمة الاقليم العربي، ومنع ذلك من انزلاقنا في هذه الاحداث الدامية التي خاضتها المنطقة بكل قسوة وما تزال ماثلة للعيان. الا ان الحراك الاردني اسفر عن مطالب عميقة للشعب الاردني، وارتفعت الحناجر في المظاهرات مطالبة باعادة السلطة للشعب، وتقاسم التنمية في الاطار الوطني، وتوزيع المكتسبات الناجمة عن عملية الحكم بعدالة، وتطهير البلاد من افة الفساد، ومحاسبة الفاسدين على جرائمهم العامة، وجرت مطالبات حقيقية باعادة اصلاح النظام السياسي، وتطويره على اسس اكثر شعبية، وبما يفي بمتطلبات المستقبل. وتمكين الشعب من ان يحكم نفسه ، وان تنطلق الالية الديموقراطية كي يكون المواطن مسؤولا من خلال عملية تصويته عن السياسات التي تطبق عليه.

وكانت الحكمة تقتضي ان تمتلىء هذه المرحلة برؤية سياسية عميقة لمنع وقوع ما جرى مرة اخرى ، وذلك من خلال تجهيز طاقم سياسي متكامل من الديموقراطيين ليشرفوا على اعادة تأهيل الاردن ديموقراطيا، وليزيلوا القوانين التي تحد من الحريات العامة، ويوجدوا البيئة التشريعية المناسبة لنشوء وتطور الحياة العامة التي تمكن من انتقال الاردن الى عداد الدول الديموقراطية، وان يكون هذا الطاقم ممن اشتهروا بتوجهاتهم الدموقراطية، وبقدرتهم على تعزيز مناخ الحريات العامة باعتبارها سر نجاح الاردن في اجتياز مرحلة الخطر المييت الذي اطلق عليه الربيع العربي.

و كان الواجب يقتضي ايضا ان تنهض جهة رسمية موثوقة بوضع تصورات عملية لاحداث النهوض بالواقع التنموي في الاردن لمنع جيل الشباب من ان يزيد في تشدده، وذلك على خلفية ضياع فرصه في الحياة، وكان من المهم ايلاء الاحوال المعيشية في الاردن الى خبراء حقيقيين في المجال الاقتصادي ، وممن يستطيعون اعادة تطوير القطاعات في المملكة لاحداث التنمية المستدامة، ولاستهداف مناطق الهوامش بغية اخراجها من ازمتها المعيشية الخانقة، وبالتالي اضفاء اجواء التهدئة على الوطن الاردني بطريقة علمية تتناسب مع حجم الزلزال الذي ضرب الاقليم وكان لزاماً ان نصحوا على اثره.

الا ان ما جرى فعليا لم يزد عن اعادة تجميع اعداء الديموقراطية، ومن لا يؤمنون سوى بالحل الامني على شكل حكومة، وجيء برئيس لها يحمل نظرة قديمة في الحكم، ولا يراعي ضرورات المستقبل، وهؤلاء تم ايلاؤهم مهمة اغلاق بوابة الامل في وجوه الاردنيين، وباستغلال الالية السياسية القائمة شرعوا باجراءات وتشريعات غاية ما تهدف له هو منع احتمالية ان يتحرك الشارع مجددا تحت وازع من الخوف. واوجدوا سلسلة من القوانين الماسة بالحريات العامة، والتي يهدف بعضها الى تجريم العمل السياسي، ووضعه في دائرة الارهاب كقانون مكافحة الارهاب، وقانون محكمة امن الدولة، وقوانين تعيد القبضة الامنية على المحافظات كقانون اللامركزية الذي هو مدار النقاش العام اليوم، واجراء تعديلات دستورية اعادت التوسع بالصلاحيات خارج اطار الولاية العامة للحكومة كتعديل حصر تعيين قادة الاجهزة الامنية الا من خلال الملك مباشرة، ودون التنسيب من مجلس رئاسة الوزارء، وكذا قوانين تضرب صفحا عن مرحلة الفساد برمتها، وجيء بقانون انتخاب يعتبر نموذجا في الالتفاف على قانون الصوت الواحد، وهو سينقل الفتنة والاضطراب الى داخل الوحدات الاجتماعية الاردنية لاحداث مزيد من التفتيت والتجزيء .

واستجابة لهذا النهج العرفي قامت الحكومة باعتقال كافة نشطاء وقادة الشارع الاردني فيما سمي بالحراك الاردني، ووضعتهم قيد الاحتجاز واصدرت بحقهم الاحكام واودعتهم الى السجون، وكذلك مضت بمشروع تفكيك جماعة الاخوان المسلمين، واضعافها، عزلها عن المجريات، هذا فضلا عن محاكمة نائب المراقب العام للجماعة الذي كان له دور بارز في حراك الشارع في اطار الربيع العربي، ووضعه في السجن، وبذلك جرى الانتقام من عوامل التفعيل في المجتمع الاردني وتم ضرب الحركة الوطنية الاردنية لشل ارادتها مستقبلا عن اي فعل .

وفي المقابل فقد تم القفز عن الضرورات التنموية لمعظم مناطق الاردن، وركزت الحكومة جل اهتمامها على استهداف اخر ما تبقى في جيوب المواطنين الفقراء، وتم تشريع العديد من القوانين التي ترمي الى الجباية كقانون ضريبة الدخل، وكذلك رفع اسعار المحروقات والكهرباء، وتم تدمير معيشة المواطن الغلبان لكي يسد عجز الموازنة من خلاله، وفي هذا السياق وضع الاردنيون تحت مخاوف شتى على وطنهم للقبول بهذه المعادلة، وهكذا اجتاحت الاردن موجة كبيرة من الغلاء. ولم تستطع هذه الحكومة ان توفر فرص عمل للشباب، وزاد القنوط والاحباط واليأس في هذا الجيل الذي تمثل مأساته الخطر الحقيقي الذي يحيق بالاردن، وزادت المديونية بمعدل فلكي، ولم تؤسس الحكومة لاستقرار مالي حقيقي في الدولة وانما وضعتها على مهب الريح.

وانا بدوري اتساءل واوجه كلامي لكل من هو في موقع المسؤولية الرئيسية هل تعتقدون انكم بذلك حللتم العقدة الشعبية، وستسلمونا وطنا امنا، ومحصنا ضد الاضطرابات، والفتنة. وقد كان الاولى لتحقيق ذلك ان تلتمسوا من لديه القدرة على احداث التحول الديموقراطي المطلوب، ولديه خطة في التنمية لتطوير معيشة الناس، وهو ما كان سيؤمن على الوجه الحقيقي ولوجنا الى المستقبل الآمن، وتلك كانت فرصتنا الاخيرة التي اهدرت.
التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012