28-05-2011 05:00 AM
كل الاردن -
أحمد ابوخليل
حضرت ظهر أمس المظاهرة التي جرت في حي الطفايلة شرق عمان, حيث مشى المئات من شباب وفتيان الحي, وهتفوا للأردن وللطفيلة والإصلاح وضد الفساد والفاسدين وضد العدو الإسرائيلي. هم أرادوا أن تكون مسيرتهم موازية لتحرك أهلهم في الطفيلة التي تشهد احتجاجات منذ حوالي أسبوعين.
لا بأس, بالمناسبة, من بعض الكلمات عن هذا الحي: فقد أجريت قبل أكثر من عشر سنوات بحثاً تفصيلياً عن نشأته منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي وعلاقته بالمدينة التي تبدلت كثيراً عبر السنين, ومنذ ذلك الحين اعتبرت نفسي صديقاً لهذا الحي الذي أسسه شباب شجعان قدموا من قرية (عيمة) في الطفيلة بالتدريج, ثم التحقت بهم أسرهم, لقد كانوا شجعاناً في ترويضهم لهذه المنطقة الوعرة الصعبة التي كان شباب عمان قبل ذلك يتبارزون في مقدرتهم وجرأتهم على الوصول إلى قمتها ليلاً.
شكل القادمون الأوائل إلى الحي جزءاً من بُناة المدينة الأساسيين, لقد عملوا في الأعمال الهامشية المدينية, لكنها الأعمال التي كانت تحتاج للجهد والتعب والعرق, لقد رصفوا شوارع عمان وأناروا طرقاتها ونظفوا ساحاتها وحملوا أشياء سكانها, وباختصار شكلوا عنصراً مندمجاً مع باقي عناصر المدينة التي كانت تنمو, ولكنها مع الزمن أخذت تبتعد عنهم فيما أخذ الحي ينكفئ على ذاته ويعيد بناء حياته الاجتماعية في ظروف خاصة.
فالسكان, الأقارب في الأصل, صاروا يعيشون في مدينة أخذت تتعقد وتتسع بوتائر عالية. ثم أن الحي أخذ يكبر في مساحة محدودة ويشهد اكتظاظاً غير متكرر في العاصمة, فالمساكن تتوزع على سفح جبل تربط بين مستوياته عشرات الأدراج الرئيسية والفرعية بعضها لا يتجاوز عرضه المتر الواحد تقع على جانبية عمارات ترتفع إلى سبعة طوابق في بعض الحالات.
قصة الحي طويلة, وهي لم تنل حقها من اهتمام التخطيط الحضري لعمان قبل وبعد المخطط الشمولي العتيد, وقد عدت قبل أقل من سنتين إلى الحي في سياق بحث عن العنف الأهلي وكان الحي إحدى الحالات الدراسية التي تتبعتها.
دعونا نكون واضحين ونتحدث عن أن صورة الحي في الذهنية العامة للعاصمة طالها الكثير من التشويه, وبالنسبة لواحد مثلي اطلع على قصة نشوئه, فإن الأمر يبدو مؤلماً.
ومن هذه الزاوية بالذات أنظر إلى المسيرة التي جرت بالأمس, فلأكثر من ساعة تجول الشباب في شوارع الحي, صعدوا وهبطوا أكثر من مرة, فجغرافيا الشوارع تتحكم بالمسير وتضفي المزيد من التعب الذي اعتادوا عليه, ولهذا عندما أحضروا بعض عبوات المياه الباردة أعلنوا أنها مخصصة للضيوف وخاصة من الاعلاميين.
لنضع جانباً التقييم السياسي للمسيرات والتحركات ككل, فما جرى في حي الطفايلة ينبغي أن ينظر اليه من أكثر من زاوية, فحتى خصوم التظاهر من المخلصين للبلد يتعين عليهم أن ينتبهوا إلى أن أهالي الحي عاشوا يوماً خاصاً مختلفاً, لقد قدموا نفياً ميدانياً للصورة المشوهة التي يجري تقديمها عنهم وعن حيهم. لقد قاموا بمسيرة محترمة شكلاً ومضموناً, وقد ابتدأت بعدد أخذ يتزايد مع المسير على عكس حال كثير من مسيرات العاصمة تحديداً.
أهم ظاهرة في تقديري, تكمن في أن المسيرة شكلت درساً في التربية الوطنية لعشرات الفتيان الذين ساروا وهتفوا وحملوا شعارات وطنية صيغت بعناية. تلك هي وضعية أخرى لوجودهم في الشارع. وبالمناسبة, فنظراً لضيق البيوت وخلو الحي من الساحات وندرة الأماكن العامة, فإن الشوارع في الحي لا تزال تشكل الحيز العام المشترك الأساسي, فهنا لا يزال الزائر يشاهد الرجال والنساء أحياناً يقيمون في الشارع تلك الجلسات المسائية أو "الضحوية" الأليفة التي يعرفها سكان القرى. وقد تم يوم أمس توظيف الشارع بشكل إيجابي أيضاً.
إنها فرصة للدعوة لأن ننظر إلى التحركات الشعبية الجارية في البلد ككل حالياً باعتبارها تجارب تسهم في تكوين شخصية المشاركين بها, ومن هذه الزاوية قد يشكل يوم أمس ذكرى محترمة في حياة شباب حي الطفايلة.
ahmadabukhalil@hotmail.com