وبينما كان صالح مجتمعاً بعد ساعات من إصدار البيان مع من بقي من قيادات القوات المسلحة له ليدعوهم إلى «الصمود ومواجهة التحدي بالتحدي»، في تأكيد جديد لعزمه على التمسك بالسلطة مهما كلف الأمر، كانت قواته تستعد لاقتحام ساحة التغيير في تعز، وارتكاب مجزرة بحق المعتصمين امتدت لعشر ساعات، وأسفرت في نهاية المطاف عن مقتل 52 محتجّاً، فضلاً عن سقوط قرابة ألف جريح.
أما المعتصمون فكانوا، جرياً على عادتهم منذ اندلاع الاحتجاجات، يفترشون ساحة الحرية في أعقاب عودتهم من مسيرة طالبت بإطلاق سراح سجناء احتُجزوا في أمن مديرية القاهرة، قبل أن يفاجأوا بقوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري المنتشرة على أسطح المنازل، عند السادسة من مساء أمس، تستفزّهم من خلال رمي الحجارة وإطلاق الرصاص، قبل أن تعمد إلى محاولة اقتحام الساحة مستعينةً بجرافات.
ومع إصرار المعتصمين على الثبات في أماكنهم، صعّدت السلطات من العنف، ففتحت النار باتجاههم من أكثر من اتجاه، من الحارات المطلة على ساحة الاعتصام، مستخدمةً الرشاشات الثقيلة من عيار 12.7 وقنابل الغاز، قبل أن تكرر محاولة اقتحام الساحة، وتحديداً المستشفى الميداني الذي كان يؤوي 200 مصاب في داخله.
وبالتزامن، تولّت مجموعات أخرى إطلاق النار بكثافة في الشوارع المجاورة للساحة، لمنع المواطنين الذين حاولوا القدوم لإنقاذ المحتجين، من الوصول. كذلك تولّت القوات الأمنية التي نجحت في الوصول إلى خيم المعتصمين وإضرام النيران فيها، ملاحقة المحتجين الذين اضطروا إلى الفرار، واعتقال عدد منهم، إضافة إلى اعتقال عدة صحافيين كانوا موجودين في فندق يقع بالقرب من الساحة، بينهم مصوّر قناة العربية محمود طه.
ومع انتهاء جولة العنف غير المسبوقة ضد المحتجين، بدأ حجم المجزرة يتكشّف، بعدما أكد الطبيب أحمد عقلان، أحد أطباء المستشفى الميداني في تعز، أن عدد القتلى وصل إلى 50، مرجّحاً ارتفاع الحصيلة، إذ إن «عدد الجرحى وصل إلى نحو ألف جريح، بينهم المئات في حالات حرجة».
ولفت إلى أن عشرات المحتجين لم يُسعَفوا نتيجة اقتحام القوات الأمنية للساحة، فيما نقل موقع «التغيير» اليمني عن مصادر متطابقة تأكيدها إشراف مدير أمن تعز عبد الله قيران، إلى جانب عدد من كبار ضباط المدينة، على عملية اقتحام ساحة الحرية.
في هذه الأثناء، ذكر شهود عيان أن الدبابات والمدرعات انتشرت في الساحة، بعدما طُرد المحتجون المعتصمون، فيما تجمع المتظاهرون على أسطح البنايات المجاورة، مؤكدين أن «الحركة الاحتجاجية لن تتوقف أبداً».
وفي السياق، أدان التحالف المدني للثورة الشبابية استمرار النظام اليمني بانتهاج العنف، داعياً إلى تصعيد سلمي في مختلف ساحات الحرية والتغيير في المحافظات، مشدداً على أن «المسيرات السلمية هي الوسيلة الوحيدة والمثلى لإسقاط نظام مستبد لا مجد له ولا بقاء إلا بالفتن والحروب».
بدورها، أصدرت أحزاب اللقاء المشترك بياناً أكدت فيه استنكارها لـ«استمرار الرئيس صالح، وما بقي له من قوات عسكرية وأمنية وميليشيات مسلحة، بارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية، المستهدفة شباب الثورة الشعبية السلمية في ساحات التغيير وميادين الحرية، والآمنين من النساء والأطفال والشيوخ في منازلهم وقراهم».
وناشدت المعارضة المجتمع الدولي ومجلس الأمن «اتخاذ قرارات ومواقف حاسمة تحمي أبناء اليمن من هذه الهستيريا، وإيقاف نزف الدم وإحباط مخططات صالح الرامية إلى إحداث فوضى عارمة وإشعال الفتن والحروب»، في وقت طغت فيه أنباء المجزرة في تعز على ساحة التغيير في صنعاء، حيث اتهم المعتصمون صالح باللجوء إلى العنف في محاولة لترويعهم، متوعدينه بالبقاء حتى تحقق مطلب رحيله.
في غضون ذلك، استمرت المعارك في مدينة زنجبار التي أحكمت عناصر مسلحة، يُعتقد أنها تتبع لتنظيم القاعدة، السيطرة عليها. وواصل عناصر اللواء 25 ميكانيكي التصدي للمسلحين بالتعاون مع عدد من رجال القبائل، فيما أوضح مصدر أمني أن أربعة عسكريين، بينهم عقيد، قتلوا في كمين نصبه عناصر القاعدة على بعد كيلومتر واحد من زنجبار. وقُتل جنديان يمنيان في انفجار قذيفة صاروخية أطلقها مسلحون على ثكنة اللواء 25 ميكانيكي المحاصر في المدينة.
كذلك أفاد مصدر أمني آخر بأن أربعة مسلحين من القاعدة قتلوا خلال المعارك مع جنود اللواء 25 الذين يدعمهم قرابة مئتي مسلح من قبائل أبين، فيما تحدث سكان عن قصف السلاح الجوي اليمني منطقتي باجدار والخلا، شرق زنجبار، حيث يعتقد أن مسلحين من القاعدة يتحصّنون في هاتين المنطقتين.
إلى ذلك، كثّفت قوى الأمن اليمنية أعمال البحث عن ثلاثة فرنسيين اختفوا في جنوب شرق البلاد. ونفى وكيل محافظة حضرموت عمير مبارك عمير، حيث اختفى الفرنسيون الثلاثة، وجود «أي دليل على اختطافهم»، مشيراً إلى أنهم «فُقدوا بين عملهم وسكنهم».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)