عاد المجلس العسكري، الحاكم الفعلي للبلاد، لترتيب أوراقه، بعد الانتقادات اللاذعة التي وُجِّهت إليه قبل جمعة الغضب الثانية وأثنائها. العودة هذه المرة كانت من خلال بيان صدر عن المجلس على صفحته الرئيسية على الفايسبوك يدعو فيها شباب ائتلافات الثورة على اختلاف مشاربهم إلى لقاء مع قادة المجلس اليوم في مسرح فندق الجلاء التابع للقوات المسلحة في القاهرة.
دعوة غريبة، وخصوصاً مع إعلان المجلس أنّ من المتوقع أن يصل عدد المشاركين في هذا الحوار إلى ألف شخص، وهو رقم كبير يجعل من الحوار مع الجميع في يوم واحد شبه مستحيل.
كذلك، أثارت هذه الدعوة تساؤلات عديدة، بينها: لماذا لجأ المجلس العسكري إلى الحوار الآن مع الشباب، ورفض من قبل حماية ميدان التحرير في جمعة الغضب الثانية؟ وفي الوقت نفسه، لماذا استدعى المجلس، وهو يستعد للحوار مع الشباب، المدون والناشط الشاب حسام المحلاوي للتحقيق معه في التصريحات التي أدلى بها لإحدى الفضائيات، وعدّها قادة المجلس تنال من المؤسسة العسكرية؟ الإجابة عن السؤال الأول تكمن في أن المجلس استشعر أزمة عقب نجاح جمعة الغضب الثانية، وخروجها في صورة لم يتوقعها أحد بلا مشاجرات، وسمع قادة المجلس بالانتقادات التي وُجِّهت إلى الجيش من خلال المتظاهرين، والتي يأتي على رأسها التباطؤ في محاكمة مبارك ورموز نظامه، واستمرار اعتقال عدد كبير من شباب الثورة ومحاكمة عدد منهم أمام المحاكم العسكرية، فيما يحاكم رموز النظام السابق أمام القضاء الطبيعي. من هنا، أعلن عدد من ائتلاف الثورة عدم المشاركة في الحوار. وقال عضو حركة العدالة والحرية، خالد السيد، إنّ «الحركة لن تشارك؛ لأنها ترى الحوار محاولة لاحتواء الشباب الذين قادوا يوم الجمعة ». وبالمثل أعلن المنسق العام لحركة «6 أبريل»، أحمد ماهر، أن الحركة تتجه إلى عدم المشاركة، قائلاً: «نتحفظ على إحالة الإعلاميين والنشطاء على النيابة العسكرية للتحقيق معهم، ونرى هذا بداية غير مبشرة لأي حوار». في المقابل، أعلن ائتلاف شباب الثورة أن قرار مشاركتهم في الحوار سيتحدد بعد اجتماع موسع بين أعضاء الائتلاف، وإن كانت كل المعطيات تؤكد رفض الائتلاف المشاركة. وأكد أحد المتحدثين باسم المكتب التنفيذي، لائتلاف شباب الثورة محمد القصاص هذا الأمر، بقوله إن «الكثير من الأعضاء يرفضون المشاركة، والأسباب معروفة، فالدعوة جاءت في وقت ضيق للغاية، ووجود ألف شخص في مكان واحد للحوار أمر صعب للغاية».
هذه التصريحات تأتي في الوقت الذي أكد فيه عدد من شباب الائتلافات، أن بعض أعضاء المجلس العسكري اتصلوا بهم على نحو شخصي، ولم يدعوا ائتلافات أخرى، واكتفوا بدعوة الفايسبوك، وهو الأمر الذي توقع معه الشباب أن يكون «الحوار محاولة لشق الصف بين الائتلافات الشبابية التى قادت وأسهمت في إنجاح جمعة الغضب الثانية». في موازاة ذلك، أعلن عدد من ائتلافات الثورة المشاركة في الحوار، على اعتبار أنه فرصة لطرح وجهة نظر الشباب أمام المسؤولين عن تسيير شؤون البلاد، فيما طرح عدد من نشطاء التدوين وموقع التواصل الاجتماعي تويتر مبادرة لتكوين ائتلاف يكون المتحدث الرسمي باسمهم في لقاء المجلس العسكري، واختاروا عدداً من الوجوه الإعلامية البارزة لتمثيلهم أمام المجلس. يأتي هذا في الوقت الذي كُشف فيه اليوم على الموقع الإلكتروني لشبكة الـ«سي أن أن العربية» عن أن الشرطة العسكرية أقرت للمرة الأولى بإجراء اختبارات كشف عذرية على الفتيات اللاتي قُبض عليهن أثناء فض اعتصام ميدان التحرير في التاسع من شهر آذار الماضي. ودافع المسؤول العسكري، الذي رفض كشف هويته، عن الخطوة قائلاً إن «هؤلاء الفتيات أقمن في مخيمات الاعتصام إلى جانب المحتجين الذكور في ميدان التحرير، حيث عثرنا على «مولوتوف» و(مخدرات)»، مشيراً إلى أن «فحوص العذرية أُجريت في خطوة احترازية». وأضاف: «لا نريد أن يدعين في وقت لاحق أنهن تعرضن لتحرشات جنسية أو الاغتصاب، لذلك أردنا إثبات أنهن لم يكن عذراوات من البداية». وعلى أثر انتشار الخبر ظهرت موجة غضب عارمة بين النشطاء، وطالبوا بوقفة احتجاجية أمام مقر المجلس، تنديداً بما أُعلن، وبتقديم اعتذار للفتيات اللواتي أُجبرن على إجراء كشف العذرية، وهو ما يعني أن حوار اليوم مهدد بالفشل.
(الأخبار)