05-06-2011 07:01 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
هل كانت الحكومة موفقة في اختيار هذا التوقيت لاشهار خطة اعادة الهيكلة الادارية؟ بعيداً عن الدخول في مضامين الخطة وأهدافها وضروراتها ايضاً، اعتقد بأن الحكومة تعجلت في اعلان الخطة، ولتوضيح ذلك استأذن بتحرير بعض الملاحظات على هامش هذا التوقيت.
مبدئياً، لم يطلع الرأي العام على تفاصيل الخطة، وبالتالي فان الحكم عليها يبدو سابقاً لأوانه، صحيح أننا مع أي «ثورة» ادارية تضع حداً لما يشهده قطاعنا العام من بيروقراطية وتشوهات – وربما فساد -، ومع «عدالة» حقيقية تطوي صفحة «الخلل» الذي أصاب اداءنا الاداري، وولّد حالة من التذمر والاحباط لدى الكثير من الموظفين الذين «ظلمتهم» ازدواجية المعايير والتعاليم، لكن الصحيح – اضاً – ان موعد اعلان هذه «الثورة» قد جاء في ظروف أصبحت لها اولوياتها لدى الناس، وفي مقدمة هذه «الاولويات» الاصلاح السياسي، بكل ما يتضمنه من مطالبات واستحقاقات أصبحت معروفة للجميع.
وفيما اسندت الحكومة مهمة الاصلاح السياسي والاصلاح الاقتصادي للجان خاصة، ما زال المجتمع بانتظار مخرجاتها وتوصياتها، وفيما بقي ملف «مكافحة» الفساد «معطلا» لدى الحكومة، ومفتوحا «لأزمات» متصاعدة، ودافعا «للشارع» لكي يخرج للاحتجاج والضغط باتجاه تنفيذ وعود الاصلاح، اختارت الحكومة «انجاز» مهمة «الاصلاح» الاداري، على امل ان تطمئن «الشارع» بأنها جادة في المضي بمسيرة الاصلاح، لكن «استعجالها» في تقديم الخطة من دون تهيئة الرأي العام لها، ودون وضعه في صورة تفاصيلها بشكل واضح، اضافة الى وجود «قوى» متضررة منها، كل ذلك ادى الى نتيجة عكسية، فبدلاً من ان تواجه الحكومة «أصحاب المشاريع الوهمية» وخصوم الاصلاح السياسي، ودوائر الفساد، انضم الى هذه المواجهة طبقة جديدة من «الموظفين» الذين كانوا في صف الحكومة او محايدين باعتبارهم جزءاً من مؤسساتها، او باعتبارهم مستفيدين من الوضع القائم، وبالتالي خسرت الحكومة بعض «المتعاطفين» مع توجهاتها، وفتحت أمامها «جبهة» جديدة لم تكن بحاجة – الآن على الاقل – الى فتحها او اثارة احتجاجاتها ومطالباتها المتصاعدة.
كان يمكن للحكومة ان ترتب اولوياتها بشكل افضل، فانجاز الثورة الادارية – مهما كانت صارمة للبعض – يمكن ان يتم اخراجه بصورة مقبولة من خلال «انجاز» اصلاح سياسي حقيقي، بحيث تخرج «اعادة الهيكلة» من رحم «السياسة» العادلة، او من احضان التحول الديمقراطي الحقيقي بدلا من ان يترك المجال «للمتضررين» من الهيكلة ومن يساندهم لوضع «العصي» في دولاب الحكومة، وفي دولاب الاصلاح السياسي، هذا اذا افترضنا بأن الحكومة جادة في المضي بالاصلاح السياسي بالسرعة المطلوبة.
قد يبدو مفهوماً للبعض «جرأة» الحكومة وسرعتها في اعداد واشهار خطة اعاد الهيكلة، وقد يكون ذلك مرحباً به ومطلوباً ايضا، لكن المقاربة بين هذه الجرأة والسرعة التي حضرت هنا وبين غيابها في ملف «الاصلاح» السياسي وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد، تبعث برسائل غير مطمئنة للشارع الاردني، وبلغة «ترتيب الاولويات» حسب المطالب التي تحظى باتفاق اغلبية الاردنيين فان عنوان «المشكلة» ولحل ايضا هو «الاصلاح السياسي» هذا الذي يمكن ان يفضي (وهو يفضي حقا) الى أي اصلاح اداري او – حتى – اصلاح اقتصادي، وهو – كذلك – الذي يقنع الناس بقبول أي وصفة لعلاج أي خلل في بنية الواقع الاردني، حتى لو كان الثمن الذي يدفعه المتضررون باهضاً.
لا يخطر في بالي ابداً ان اقف ضد «خطة الهيكلة»، فهي كما بدو تشبه الجراحة الضرورية لكثير من «امراضنا» الادارية، لكن توقيت اشهارها وما تلا ذلك من شروحات لم يكن موفقاً وحتى لو اتفقنا على انها اولوية فان «ترتيبها» يأتي بلا شك في المرتبة الثانية او الثالثة، ذلك ان من حق الناس ان يطمئنوا اولا على جدية» الحكومة في تنفيذ «المهمة» الاول التي اسندت اليها وهي «التحول الديمقراطي» الذي تصنعه «ماكنة» السياسة بتشريعاتها ومقرراتها، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، وبعدها سيقبل الجميع أية عمليات «ادارية» او «اقتصادية» مهما كانت مؤلمة.