06-06-2011 07:49 AM
كل الاردن -
أحمد ابوخليل
بقليل من التردد يمكن أن القول أن خطة الحكومة لإعادة هيكلة رواتب القطاع العام تعد ثورة في هذا المجال, فهي تحاول معالجة ظاهرة فقراء القطاع العام, أي تلك الظاهرة الجديدة التي أخذت تنتشر بشدة منذ عشرة أعوام على الأقل, كما يمكن النظر للخطة كمحاولة لإعادة توزيع الدخل في هذا القطاع بطريقة توفر قدراً أكبر من العدالة, ومن زاوية ثالثة لا يمكن إغفال أهمية وقف ظاهرة الرواتب الخيالية لبعض المواقع والمسميات الوظيفية بما لها من تداعيات تتجاوز البعد المالي.
إن الخطة من هذه الزوايا صحيحة تنموياً وأخلاقياً, وهو تقييم من المرجح أن يبقى معقولاً ومقبولاً بغض النظر عن مسارات التطبيق.
بالمقابل يمكن بسهولة أن نتفهم دوافع الاحتجاج عند مَن سينخفض راتبه, ولا نستطيع أن نتخيل حالة ملائكية من نكران الذات, تجعل الموظف الذي يتلقى راتباً كان يعتبره حظاً من السماء, يقول اليوم أنه آن الأوان للتقاسم مع باقي الزملاء في باقي الوظائف. إن قبول الفكرة من طرف المتضررين يعد خيالاً محضاً, ومن المرجح أن الأمر سيتحول إلى مظاهر من الضيق والسلبية عند صغار ومتوسطي موظفي المؤسسات المعنية, بينما سيتحول إلى ما هو أخطر من ذلك عن كبارهم. وبالمناسبة لقد تم الخلط كثيراً في الأيام الماضية حيث ساد انطباع أن جميع موظفي هذه المؤسسات من ذوي الدخول العالية غير المبررة, وهو ما قد يتسبب بظلم "فرعي" جديد.
على ذلك, يبدو أنه على الدولة (ولا أقول الحكومة), أي الدولة بصفتها الجهاز المسؤول عن الحكم والحكومات أن تحصد ما زرعت من أزمات. ولكن في الواقع حتى لو أرادت الحكومة الحالية أن تتصدى لمهمة الحصاد تلك, فهل يوجد ما يضمن أنها ستستمر حتى النهاية فيها? إن التقليد السياسي في البلد يقول أن حكومة لاحقة ستجب ما قبلها, وفي أحسن الأحوال ستقول إن سابقتها اجتهدت ولم تكن موفقة.
في هذه اللحظة يمكن تلخيص المشهد كالتالي: يبرز صوت المتضررين الذين ينظمون احتجاجاتهم, فيما لا يرى المستفيدون أن هناك زيادة في الدخل تبرر إعلان ابتهاجهم, وهذا بالمناسبة صنف خاص من المرارة يصعب وصفها إلا لمن عاشها.
الصعوبة المباشرة تكمن في حالة المتضررين. وهنا أقدم اقتراحاً قد يراه البعض فكاهياً, لكنه بتقديري أكثر واقعية, وهو يقوم على خطة تعمل على "تلاشي" هذه المؤسسات عن طريق الاكتفاء بما تحقق فيها من شذوذ ووقف المزيد منه, فإذا كان من الصعب أن "تحرم" أحداً مما حققه, فلا يوجد ما يجبرك على منح غيره, وذلك إلى أن يتقاعد آخر مستشار أو مفوض ويغلق الباب خلفه بعد أن يقبض مستحقاته وفق التعريف المعتمد لكلمتي حق واستحقاق.
ahmadabukhalil@hotmail.com