12-06-2011 08:52 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
ما يحدث في «مطابخ» السياسة شيء، وما يصل الى الناس شيء اخر مختلف تماما، واذا كانت بعض «اشارات» الفاجعة تجد طريقها الى آذان المواطنين «فتصدمهم» فان ما خفي من اسرارها –وهو كارثي بامتياز- من مصارحة الناس بها، كما يدفعهم «استمراؤهم» للخطأ الى التغطية عليه «وخداع» الآخرين بأن ما يفعلونه هو عين الصواب.
قبل الثورة في مصر كانت قضية بيع الغاز لاسرائيل ،مثلا، تثير غضب المصريين وانتقاداتهم لكن لم يكن هؤلاء يعرفون «اسرارها» ابتداء من علاقة ابناء الرئيس بها وتلقيهم عمولات خاصة جراءها وانتهاء بما تضمنه العقد الموقع في البند الخامس من ادراج الصفقة مع اتفاقية كامب ديفيد بحيث تتجاوز المسألة حدود الاتفاقية التجارية لتصبح جزءا من معاهدة سياسية يصعب على المصريين تغييرها او عدم الالتزام بها.
قبل الثورة –ايضا- كان المصريون يعرفون ان اوضاعهم «العامة» تتدهور في كافة المجالات لكن الحكومة كانت تطمئنهم –بالاحصائيات والارقام- بان احوالهم في احسن ما يكون وبعد الثورة يكتشف المصريون ان حكوماتهم كانت تخدعهم وان «ارقام» النمو التي كانت تتغنى بها مجرد اوهام، والادهى من ذلك ان التقارير الحقيقية التي تصدر لا تجد طريقها الى الاعلام سواء بأمر الحكومة او بتجاهل وسائل الاعلام التابعة لها، ومن المؤسف ان الاعلام الذي تجاهل «الحقيقة» في الماضي سارع الى نشرها بعد ان شرب حليب السباع، وفيها ارقام مذهلة عن التراجع الذي اصاب الحياة الاجتماعية والاقتصادية في خمس السنوات الماضية كما ورد مثلا في تقرير صحيفة الاهرام «2-6».
قبل الثورة كان الحديث عن الفساد في مصر – وعن مكافحته ايضا- مادة متاحة للمواطنين وللمسؤولين ايضا، وكانت قضايا الفساد التي تنظرها المحاكم غالبا ما تتعلق «بصغار» الموظفين وفي مسائل تتعلق برشى بسيطة او تجاوزات مالية محددة، لكن بعد الثورة يكتشف المصريون «بلاوي» الفساد الذي تورط فيه «اهل الحكم» من مبارك وزوجته وابنائه.. الى وزرائه ومستشاريه ... الى النخبة التي كانت «تزين» للرئيس البقاء والتوريث وقمع كل من يطالب بالاصلاح.
لدي ،بالطبع، امثلة ونماذج كثيرة عن اوضاع مأساوية، كان المصريون –وغيرهم- يعرفونها ولكنهم ظلوا بعيدين عن «اسرارها» وتفاصيلها او انهم لم يجرؤوا على الافصاح عنها «الاسباب معروفة طبعا» لكن ما اريد ان اقوله هنا هو ان التغيير وحده هو من يستطيع ان يكشف لنا ما غاب او غُيّب عنا وبدونه ستظل الأمور على ما هي عليه؛لأنه ببساطةلا يمكن لأشخاص أسهموا في «انتاج» مرحلة ان «يستعبطوا» ويشهروا للناس اخطاءهم او ان «يتوبوا» فجأة ويقولوا كل ما لديهم، ولو افترضنا –جدلا- ان ذلك حدث فان ثمة خطوطا حمراء وتشريعات واعتبارات اخرى تمنعهم من ممارسة ذلك.
بفضل الثورات والتحولات التي جرت في وطننا العربي لم يعد المواطن مجرد «شاهد ما شافش حاجة» او «مشروع» للخداع يمكن الضحك عليه او ممثل مشارك في «كومبرس» التغطية على الكوارث وانما تحول الى «شاهد عيان» ينقل الصورة والخبر ويقارن بين ما حدث لدى جيرانه وما يحدث في بلده، وبالتالي فاننا امام «ثورات» كاشفة يفترض ان نتعامل في ظلالها بمنطق المصارحة والفهم، لا اللف والدوران، فما غاب عن الناس من تفاصيل واسرار لا بد ان يظهر في لحظة ما وحينئذ ارجو الا تصيبنا الصدمة اذا ما تبين لنا اننا مثل «الزوج» المخدوع؛ آخر من يعلم.
الدستور