27-06-2011 07:21 AM
كل الاردن -
عريب الرنتاوي
أمام الرئيس محمود عباس 'مهلة زمنية' محدودة، لانقاذ حركة فتح التي ينتمي إليها ويرئسها من النفوذ المتزايد لشخصيتين إشكاليتين وحليفتين في الوقت ذاته: سلام فيّاض ومحمد دحلان...وإن قُدر للرئيس عباس أن يغادر المسرح السياسي كما يقول ويلوّح باستمرار، من دون وضع حد لـ'الطموحات' غير المشروعة، لهذين الرجلين، فإن فتح ستكون عرضة لخطر شديد، بل وعرضة لفقدان دورها القيادي، وتصريفه في اتجاهات أخرى...ولسنا نبالغ إن قلنا أن مستقبل فتح ومصائرها، تبدو مرتبطة أشد الارتباط، بمستقبل العلاقة بين الأضلاع غير المتساوية لمثلث: عباس، فيّاض والدحلان.
ظاهرياً، يبدو أن الرئيس قد 'قطع شعرة معاوية' مع الدحلان..وطلّقه بالثلاثة، طلاقا بائنا بينونة كبرى...في المقابل، يبدو الرئيس متأبطاً ملف فيّاض، كما يتأبط رجال التسويق والمبيعات 'كاتلوجات' السلع التي يروّجون لها...ينافح عنه في كل اجتماع ومحفل، ويقدمه كـ'مرشح شرعي ووحيد' لرئاسة حكومة الوحدة، حتى وإن أدى ذلك إلى انفراط عقد المصالحة، وقبل أن يجف حبر اتفاق القاهرة....والغريب في الأمر، أن كلا الرجلين، يستمد كل نفوذه (فيّاض) أو جُلّه (الدحلان)، من دعم الخارج له ؟!.
لكنّ ذلك هو ما يبدو ظاهرياً فقط... فقرار لجنة فتح المركزية فصل الدحلان ليس من نوع 'ون واي تيكت'...وهو قابل للنقض والتمييز لدى الجهات المختصة...وثمة في فتح من يجادل بـ'عدم شرعيته'...والأهم أن القرار مشروط ببقاء الرئيس عباس على رأس عمله ومهامه ومناصبه، متمتعاً بالقوة التي يحظى بها هذه الأيام – وأظنه كما يتبدى لي في أقوى لحظات ولايته، أو ما بعد ولايته بالأحرى .... ثم أن فتح في تاريخها كُلّه، اعتمدت سياسة الباب الدوّار مع العناصر المنشقة عنها بل و'المتآمرة' عليها، حتى أن رجلاً كأبي الزعيم (عطا الله عطا الله)، سبق وأن ذهب إلى أبعد مما وصل إليه الدحلان، ولكنه كاد يعود إلى السلطة عند قيامها، زعيماً لأجهزتها الأمنية، قبل أن يتواضع ويقبل بـ'توريث' هذا الموقع إلى نجله.
إن ضعفت قبضة 'أبو مازن'، أو غادر المسرح السياسي طائعاً كما يُنسب، فليس ثمة أبداً ما يمنع الدحلان من العودة إلى فتح، ومن بوابة عريضة وواسعة...فالرجل ما زال في جعبته بعض الأوراق القوية، منها نفوذه داخل فتح ولجنتها المركزية ومجلسها الثوري، ونفوذه داخل حكومة سلام فياض وأجهزة السلطة...ومن بينها علاقاته مع بعض العواصم التي إما أنها ما زالت تراهن عليه ضمن لعبة 'حرب المعسكرات والمحاور العربية'، أو أنها تريد استخدامه لـ'مناكفة' محمود عباس، ولا أحسب أن 'الشاباك' الإسرائيلي قد سلّم بسقوط ورقة الدحلان و'تعاونه الأمني' المتميز نهائياً، وفي ظني أن محاولات إعادته ستستمر، والكرة في ملعب عباس وفتح، والوقت المتوفر أمام الحركة للخلاص من ذيول الرجل وامتداده، ليس مفتوحاً للأبد.
أما الحالة الثانية، سلام فيّاض، فإن 'قصة العشق' الظاهر بينه وبين الرئيس عباس، خادعة ومضللة تماماً، ولا تُفسر الطبيعة المعقدة للعلاقات والمشاعر والمخاوف والطموحات التي تقرر سلوك كل من الرجلين...صحيح أن الرئيس عباس، تحت ضغط الولايات المتحدة وإلى حد ما إسرائيل، مضطر للقبول بسلام فيّاض رئيساً للحكومة...لكنه يدرك أن طموحات الرجل لا تتوقف عند هذه الحدود، وأن عينيه متسمّرتين صوب موقع 'الرئاسة الأولى' حين تحين لحظة الانتخاب...وإذا ما قرر عباس عدم الترشح لولاية جديدة، فإن فيّاض ستكون له فرص متعاظمة، لإلحاق الهزيمة بأي من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، فليس من بينهم باستثناء الأسير مروان البرغوثي، من يمتلك 'كاريزما' شخصية، أو يشكل موضع إجماع، أو يمكن أن تنعقد حوله غالبية فتح الوازنة....وستكون ولاية فيّاض القادمة، إن قُدّر له أن يشكل حكومة الوحدة الوطنية، بمثابة مرحلة تحضيرية للقفز إلى منصة الرئاسة الأولى، بعد أن يكون قد مكث في مقعد الرئاسة الثانية، أزيد من خمس سنوات....وربما لهذا السبب بالذات، تجد فتح نفسها – غالبية فتح – في موقع المعترض على التجديد لفيّاض، لكن اعتراضها هذا لن يكون مسموعاً، طالما ظلّ أبو مازن متبنياً لرئيس حكومته.
واشنطن تريد فيّاض، للحكومة والرئاسة إن أمكن...وهي تسعى في تسويقه في كل محفل وصعيد...وحيثما يحل الرئيس ويرتحل، يسمع كلاماً مماثلاً عن رجله...وهذا أمر مزعج بحد ذاته، ويشكل سبباً كافياّ لفتور العلاقات والتفكير جدياً بإحداث التغيير، وإن بعد حين.
ربما يكون الرئيس عباس بحاجة لفيّاض لتمرير استحقاق أيلول المقبل، إن وجد نفسه مضطراً للذهاب إلى الأمم المتحدة، وإن فشلت جميع المحاولات الرامية لدفعه إلى التراجع عن هذه الخطوة، وشق طريق تفاوضي بديل، وهذا ما يجري العمل عليه الآن، على أية حال...لكن الرئيس عباس، بعد أيلول القادم، وحتى الانتخابات المقبلة، سيكون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما إبقاء الرئاسة في فتح، أي إنقاذ فتح...وإما نقلها إلى فيّاض، وعندها على فتح السلام...الكرة في ملعب فتح والرئيس على حد سواء.
وفي ضوء ذلك كله، ليس من المستبعد أبداً أن تظل قضية المصالحة وحكومة الوحدة وهوية رئيس الحكومة المقبل معلقة حتى استحقاق أيلول، وربما قبل ذلك إن توفرت مخارج تقنع الرئيس عباس بعدم الذهاب إلى الأمم المتحدة...مخارج من نوع استئناف المفاوضات على أرضية خطاب أوباما الأخير، وحدود 1967...ليس مستبعداً أبداً، أن تظل جهود إتمام المصالحة متباطئة وتدور في حلقة مفرغة، الرئيس 'ليس مستعجلاً'...الرئيس 'ليس مضغوطاً'...حماس ليست في أحسن أحوالها داخلياُ...حماس لم تستفد كما كانت تأمل من 'ربيع العرب'...حماس في أزمة ما بعد 'مرحلة سوريا'....'ربيع العرب' لم يصل بعد إلى الضفة الغربية التي يبدو أنها لم 'تغضب' كفاية بعد...كل القرارات الكبرى يمكن أن تُرحّل إلى ما بعد أيلول...ثمة سحب عديدة تتجمع في سماء المشهد الفلسطيني، لكن المرجح أنها لن تمطر قبل أيلول، و'أيلول ذنبه مبلول' على أية حال.
عن الدستور