28-06-2011 08:31 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
التفاصيل المرعبة التي تضمنها ملف 'لكازينو' ستفتح -بالتأكيد – شهية الاردنيين على طرح مزيد من الاسئلة حول 'الفساد'، هذا الذي لا يتعلق فقط بممارسات اشخاص ومسؤولين ضلت أقدامهم طريق المسؤولية وانما ايضاً 'بمرحلة' غفا فيها الناس عن المراقبة والمحاسبة، واستبد فيها البعض بتجاوز القوانين والقيم والاخلاق، وانتهت الى ما نعانيه اليوم من 'فضائح' انكشف بعضها فيما لا يزال بعضها طيّ الكتمان.
لا يهم – الان – معرفة السيناريوهات المتوقعة للخروج من 'ورطة' الكازينو، فسواء نجح النواب في احالة المتهمين الى القضاء، او اجتهدوا في اخراج المسألة 'بلا غالب ولا مغلوب'، وسواء استبق رئيس الحكومة الزوبعة النيابية والشعبية بتقديم استقالته، أم استطاع ان يوظفها في سياقات الاصلاح وما يتطلبه من نزاهة ومساءلة، فان ما يريده الاردنيون يتجاوز اختزال 'الفساد' في الكازينو فقط، او في الوزراء والمسؤولين الذين اتهموا فيه، الى رؤية اصلاح حقيقي يضع حداً لهذه 'اللعبة' المخجلة التي شوهت سمعة البلد، وأهدرت اموال الناس، ودفعتهم الى اشهار احتجاجهم وغضبهم بهذا الشكل المتصاعد.
ان تجاوز ذلك يحتاج بالطبع الى اجابة صريحة على سؤال: لماذا حدث ذلك.. جرى، وهذا لا يمكن معرفته من خلال محاكمات لأشخاص تورطوا، او حتى لمرحلة – عدد فيها الفساد وجرح ما ألفناه من مؤسسية في صناعة القرار، او من قيم وطنية اتسم بها اداء الموظف العام، او من احترام لظروف بلدنا وامكانياته المتواضعة، وانما من خلال قراءات عميقة وخاصة وجريئة لما طرأ على مجتمعنا من تحولات سياسية واجتماعية.
وما اصاب شخصيتنا الوطنية من 'تقلبات' أثرت على وعيها وخياراتها، وسمحت للبعض ان يفرز منها اسوأ ما فيها، وفتحت الطريق امام نخب نزلت بالبرشوت، لكي تزرع في تربتنا اشواكها وأحساكها، وتستأثر بخيراتها، وتحرم المواطنين من مجرد 'الغضب' او حتى الانتقاد لما كان يجري، وهذه القراءات تتجاوز المحاكمات والمساءلات ورؤية 'المدانين' وراء القضبان، الى ما خفي وراء المشهد، وما ساهم في انتاج هذه الحالة، وما يمكن ان نفعله للخروج منها بأقل الخسائر.
الاصلاح السياسي الحقيقي هو العنوان الوحيد الذي يتيح لنا قراءة ما حدث ومعرفة جوانبه والوقوف على جذوره وأسبابه، ومن دون الذهاب اليه فوراً وبلا مماطلة سنقع في 'ورطة' الانشغال بالتفاصيل والأعراض وتقديم 'اكباش الفدا' على حساب المعالجات الضرورية للمرض، وعلى حساب مستقبل البلد وحاجته الماسة الى اعادة بناء جسور الثقة بين الناس وحكوماتهم، وبينهم وبين مطابخ صناعة القرار في البلد.
حين قرأت النص الكامل لتقرير لجنة التحقيق النيابية في قضية الكازينو شعرت 'بالمرارة' والتعب والخجل ايضا، لا لانني تفاجأت بما ورد فيه من اعترافات وحيثيات مفزعة، ولا لأنني كنت احسن الظن ببعض المتورطين فيه، او كنت اعتقد بأن قصص الفساد التي نسمعها مبالغ فيها، وانما – ايضاَ – لأنني صدمت حقاً بقلة خبرة البعض في 'اخراج' تجاوزاتهم وفسادهم، وبغياب مجتمعنا عن معرفة ما يدور من وراء ظهره، وبجرة البعض على تجاوز أبسط القيم الوطنية والانسانية (دعك من الدينية)، وبالحالة المؤسفة التي انتهت الينا مفاهيم الادارة الحكومية والبرلمانية والشعبية.. ناهيك عن 'مؤسسات'الرقابة التي نامت في العسل.. يحيا العدل.
عن الدستور