30-06-2011 07:08 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
فيما رأى البعض ان ما حدث في جلسة «الكازينو» بمجلس النواب كان «عرسا ديمقراطيا» واختبارا تجاوزته الدولة بنجاح، ثمة اخرون «ومن بينهم عدد كبير من النواب» يرى ان ما حصل كان «بروفة» مغشوشة لتمرين ديمقراطي جرى تكييفه واخراجه بصورة اضرّت بالحكومة والمجلس واستفزت مشاعر الاردنيين ايضا.
مع الاحترام لوجهة نظر الطرفين فان السؤال الذي يتردد في الشارع اليوم هو: هل نستطيع بمثل هذه الممارسات «الديقمراطية» ان نحقق الاصلاح ونواجه الفساد، وهل الحكومة الحالية والبرلمان قادران على اخذ زمام المبادرة؟ وبصيغة اخرى: هل يمكن لهذه «المنتجات» الوطنية التي وصلتنا عبر بوابة حكومة تطالب بمحاكمة ذاتها وبرلمان يتصدى لهذه المهمة و»ويجرّب» الخوض فيها ان تقنع الناس بأنهم امام «ديمقراطية» حقيقية ام مجرد كلام طويل اشبه ما يكون «بالصراخ» الديمقراطي الذي الفناه في برلمانات سابقة اكتفت «بالتعبئة» والجلد ودبّ الصوت.. وانتهت الى منح «الثقة» بأرقام فلكية.
في وقت مضى كان يمكن «لكلمة» البرلمان ان تحسم الموقف وان»تعدّل» مزاج الاردنيين لقبوله او السكوت عليه على الاقل لكن الآن تغيرت الصورة واصبحت «الكلمة» بيد الشارع الذي ما زال يخرج لاصدار مواقفه واحكامه بمعزل عن قصص النخب وخطابات الاحزاب، وبالتالي فاننا بنجاح الديمقرطية سواء جاءت من بوابة الحكومة او البرلمان يعتمد على ما يقرره «الشارع» وبمقدار ما تستطيع هذه الديمقراطية ان تتكيف في آلياتها ومساراتها ونتائجها مع «مطالب» الناس ومواقفهم بمقدار ما تجد قبولهم لها واقتناعهم بها والعكس صحيح ايضا.
بمعنى آخر نحن الآن امام مرحلة جديدة عنوانها «الشعوب» لا الحكومات ولا البرلمانات، ومعايير الاعتماد فيها الممارسات والمقررات لا الخطب والوعود والبيانات واساس الحكم فيها موازين العدالة والثقة والمصارحة لا مزاعم «الديمقراطية» الصوتية ولا تصريحات المسؤولين التي لا تجد من يثق بها اذا لم تعبر عن «عافية» النظام نفسه، النظام بمعناه القانوني والقيمي وبمدى التزامه بتطلعات الناس المشروعة والديمقراطية بمعناها الصحيح وباعتبارها حلاًّ لا مشكلة، و»حملا» صادقا لا مجرد حمل «كاذب».
على هذا الاساس، لا يهم الناس - الآن - ما يسمعونه وانما ما يرونه بأعينهم، لا تهمهم المقدمات وانما النتائج، لا ترعبهم التحذيرات ولا فزاعات التخويف وانما تستفزهم، لا يتوقفون عند المطالب بسقوفها المعروفة وانما يطاردوننا بأحلامهم، واذا كانت معادلة «الناس» تغيرت فمن الضرورة ان تتغير معادلة «ادارة» شؤونهم.. وان يتغير منطق المسؤول في التعامل معهم، وان يتغير ايضا خطاب «المؤسسة» بمضامينه وآلياته معاً.
بصراحة، انتهى عصر «الديمقراطيات» الصوتية، والحكومات التي ترجم بالغيب، والنخب التي استثمرت في غضب «الجماهير»، والمقررات التي تسوّق لمجرد الاستهلاك المحلي، وانتهى عصر «الشعوب» التي تنام في عسل الخوف والصمت، وصار بوسعنا ان نفهم هذه الحقائق وان نستدركها بحلول عملية بدل ان نواجهها بمزيد من التذاكي والتثاؤب وبمزيد من الهروب للخلف، دفاعاً عن مجموعة من الاشباح بدلا من حماية البلد.. ودفعه الى الامام.
حين نرفع شعار «لا للاحتكام الى الشارع» يفترض ان نقنع الناس بأننا قادرون على تمثيلهم والتعبير عن قضاياهم كما يجب، ومؤهلون لخدمتهم وتدبير شؤونهم كما هو مفترض، اما حين نعجز عن ذلك او نهرب منه فاننا نتحمل مسؤولية الخطأ.. ومآلاته ايضا.
عن الدستور