18-07-2011 08:03 AM
كل الاردن -
سلامه الدرعاوي
في السنوات العشر الماضية سيطرت مجموعة من المتنفذين على عملية رسم السياسة الاقتصادية, وتغولوا على مؤسسات الدولة, وانتهجوا نهجا بدا في مرحلته الاولى على انه اصلاحي, اما في باطنه فقد كان يتجه نحو تفكيك المؤسسات الرسمية من خلال نزع صلاحياتها القانونية والرقابية.
تلك الفئة المتغولة على صنع القرار حاولت ايجاد هوية لها في المجتمع, وبدأت تطلق على نفسها "الليبرالية", ورغم انها تيار فكري يستند في مضمونه الاقتصادي على المساءلة والرقابة والحاكمية الرشيدة في نهجه, الا ان تلك الفئة التي دخلت في العملية السياسية والاقتصادية الرسمية اتسمت بانحلال اخلاقيات العمل لديها, وانخرطت في انشطة اقتصادية استثمارية طالما نظر اليها الشارع العام على اعتبار انها شكل من اشكال الفساد.
رغم ان رموز اقطاب ما عرفت بالليبرالية الفاسدة خرجوا من مؤسسات الدولة بعد النقمة الشديدة التي وصلت الى الشارع العام من سلوكياتهم ومحاولاتهم المتكررة الالتفاف على الدستور وخلق ازدواجية في صلاحيات صنع القرار بوساطة مؤسسات انشئت خصيصا لهذا الغرض, ما زال نهجهم "معشعشا" في مؤسسات الدولة, ولا استغرب من ذلك, فعمل تلك الفئة كان منصبا في السنوات الماضية على إحداث تغييرات جوهرية في التشريعات والانظمة وتأسيس هيئات مرادفة للمؤسسات الدستورية, وزيادة توجه الدولة نحو الاعتماد على الخارج بدلا من الداخل في خطة بدت واضحة للجميع هدفها النهائي اضعاف الدولة وجعلها في موضع قابل للرضوخ لاي ضغوط خارجية مستقبلية.
النهج الذي اعتمدوه في ادارة الاقتصاد الوطني كان مبنيا على التوسع الانفاقي في موازنة الدولة التي تضاعف حجمها الآن خمسة اضعاف عما كانت عليه في عام 2002 وزاد الانفاق اكثر من 130 بالمئة في السنوات العشر الماضية في حين لم ينمُ الاقتصاد أكثر من 60 بالمئة, مما جعل الموازنة تعيش في عجز مالي مزمن لا تستطيع الخروج منه بمواردها المحدودة انما يتطلب العلاج قروضا (1.1 مليار دينار في الوقت الراهن), وهو ما حصل فعلا فبدلا من الاعتماد على الذات لتمويل النفقات التشغيلية المتصاعدة صار الاتجاه نحو مزيد من الاقتراض سواء كان داخليا أم خارجيا, والنتيجة كانت عودة المديونية الى مستوياتها المقلقة (9.2 مليار دينار حاليا) مخالفين بذلك كل المبررات التي ساقوها في استخدام عوائد التخاصية ( 1.6 مليار دينار) في شراء جزء من ديون نادي باريس, كخطة عامة لتخفيض المديونية, والنتيجة هي ان الدين ارتفع اكثر مما كان عليه وقت الشراء.
صحيح ان تلك الفئة واقطابها اندثروا خارج العملية السياسية, الا ان نهجهم في ادارة الاقتصاد ما زال مسيطرا, ينفذه عدد من كبار المسؤولين المتطوعين لاعتقادهم ان تيار الليبرالية الفاسدة سيعود من جديد للحكومة.
في اعتقادي انه لو كانت هناك مساءلة حقيقية في المملكة ضمن مؤسساتها الدستورية والرقابية ودور فاعل لمؤسسات المجتمع المدني لوجدنا غالبية اقطاب الليبرالية الفاسدة اليوم خلف القضبان, وكل ما يحتاجه الامر فقط وقفة مراجعة للسياسات الاقتصادية التي نفذوها في السنوات الماضية وتقييمها, وسنجد من دون عناء انهم ارتكبوا جريمة بحق الاقتصاد الوطني, واليوم يتجرع الاردنيون علقم تلك السياسات, ولا يدري احد الى اين تقودنا الامور?.
salamah.darawi@gmail.com