26-07-2011 09:18 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
ما زال في بلدنا من يخجل ان يخرج الى الشارع ويقول: انا جائع او محتاج، مع ان الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها اكثرية الاردنيين تبدو غير مسبوقة، وقد سمعت ورأيت بأمّ عيني كيف "يدبّر" الناس امورهم بالتقشف والدين والصبر، وكيف "يكيفون" دخولهم المتواضعة للانفاق على الاساسيات انتظارا للفرج الذي يبدو بعيد المنال.
الازمة الحقيقية التي نعاني منها ازمة اقتصادية بامتياز "دعك من السياسات التي انتجتها" والحراكات الاجتماعية التي نتابع احتجاجاتها في شوارعنا لم تحركها –فقط- دوافع البحث عن الكرامة والحرية والمشاركة السياسية، وانما حركها الفقر الذي ارتبط بالفساد، ومن واجبنا ان نفهم هذه المعادلة فالاردني الذي كان قبل عقود راضيا ومقتنعا في ظل حكومات ترعاه وتحميه وتوفر له الحد الادنى من العيش الكريم صحا على واقع مختلف تحول فيه المجتمع الى طبقتين احداهما استأثرت بكل شيء، واثرت ثراء فاحشا بطرق غير مشروعة، والاخرى –وهي الاكثرية- وجدت نفسها عاجزة عن الاستمرار في توفير الحياة المناسبة لها، ومحرومة من "خيرات" البلد ومقدراته ولم يعد ثمة "طبقة" وسطى، بعد ان تجمدت دخولها وفرصها، وازاحها الغلاء وزيادة تكاليف المعيشة الى مستوى "الفقر" او ما دونه احيانا.
الشارع اليوم ليس معنيا كثيرا بالاشتباكات السياسية ومطالب الاصلاح بقدر ما هو مشغول "بهمومه" الحياتية وخاصة في مثل هذه الايام التي تزدحم بمزيد من "الانفاقات" ابتداء من رمضان الى العيد الى المدارس وصولا الى ازمة المياه والكهرباء وارتفاع الاسعار ومع ان الجميع يدرك ان "البلد" على سطح "ازمة" مالية خانقة الا انه –حتى الآن- لا تلوح اي اشارات لتجاوزها ما يعني اننا امام مرحلة خطيرة لا تجدي معها الوصفات "الحكومية" التسكينية ولا قرارات تجميد "اسعار المحروقات" او الغاء الضرائب عن بعض السلع لان المديونية والعجز وصلا الى حد لم يسبق ان وصلا اليه ولان الخيارات المتاحة امام المسؤول ما زالت "صعبة" لارتباطها بالامن الاجتماعي والسياسي من جهة واعتمادها على "عصا موسى" ومساعدات الاخرين من جهة اخرى.
لا نخشى على بلدنا من "الحراكات" السياسية والاجتماعية، ولا من صراعات القوى والاحزاب في الشارع، ولا من "ارتفاع" سقف المطالب، فهذه يمكن تجاوزها "بمبادرات" سياسية ممكنة، ولكن نخشى عليه من الوصول الى "حالة" احتقان شعبي بسبب هذه الازمة المالية والاقتصادية التي لم نفلح بعد في حلها ولا يوجد لدينا كثير من الخيارات للتعامل معها واذا كان لدى الناس في بلدنا رغبة او استعدادٌ ما لانتظار "نتائج" الاصلاح السياسي فانهم –بالتأكيد- لا يستطيعون ان "يصبروا" ويتحملوا قساوة الحاجة والعوز مع حر الصيف وخاصة اذا ما ارتبطت بحاجات اطفالهم واسرهم والتزاماتهم الضرورية، فمن يستطيع ان يقول لأطفاله: لا يوجد لدي ما ادفعه لشراء حليب لكم أو لتسديد اقساط مدارسكم او دفع ما تراكم من فواتير وقروض ...الخ.
نحتاج اليوم لمن يدق ناقوس الخطر لا لمواجهة ازمة الاقتصاد والمال التي انعكست على "حياة" المواطنين ومزاجهم العام وانما –ايضا- لمواجهة "الفساد" الذي يستفز الفقراء والمحتاجين ويدفعهم للغضب ويسيء الى سمعة بلدنا ويدمر اقتصادنا ايضا.