10-08-2011 09:35 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
الربيع الأردني بدأ في العام 2010 مع ولادة قوى المعارضة الجديدة من صفوف الفئات الاجتماعية المرتبطة بالقطاع العام, تلك التي أدت الخصخصة والليبرالية المتوحشة إلى إفقارها وتهميشها. وفي العام ,2011 ومع الربيع العربي, اتسع نطاق المعارضة الجديدة لكي تشمل بالإضافة إلى المعلمين والمتقاعدين العسكريين والعمال, نشطاء المحافظات والعشائر.
قبل ذلك, كانت المعارضة تقتصر على الأحزاب المعروفة التي يتربع على رأسها, الإخوان المسلمون, في مواجهة الفئات المسيطرة في الدولة. غير أن هذه الثنائية التي ظلت قائمة حتى العام 2009 وبدأت بالتراجع, في رأيي, أواخر ذلك العام, مع اعتصام عمال الميناء الشهير الذي تعمد بالدم لم تكن قادرة على استيعاب الصراعات الاجتماعية والسياسية الفعلية, فكان هناك, داخل الفئات المسيطرة, صراع بين المحافظين والليبراليين الجدد, تمثل في مواجهات مراكز القوى ( الديوان, الرئاسة, المخابرات), وكان هناك, داخل الحركة الإسلامية, صراع بين التيار المحلي والتيار الحمساوي, بينما توزعت الاتجاهات الأصغر على لوحة هذه الصراعات.
واجهت الثنائية (التقليدية الإخوانية) بروز المعارضة الشعبية الجديدة, بالتجاهل والتعالي والعدائية, لكنها اضطرت, مع اتساع نطاق الحراك الشعبي, إلى السعي إلى إعادة ترتيب صفوفها. فعلى صعيد الحكم, اضطر الليبراليون الجدد إلى تقديم تنازلات للمحافظين في تشكيل حكومة الدكتور معروف البخيت, وتوزير شخصيات وطنية, بينما جمّد الإسلاميون, صراعاتهم الداخلية, كما بدا واضحا للمراقبين في اعتصام 24 آذار.
مذ ذاك, سعى طرفا الثنائية إلى اختراق واجتذاب قوى المعارضة الشعبية الجديدة, للحفاظ على الثنائية, ولتعزيز كل طرف لموقعه في الصراع.
من جهة الحكم,جرى تجييش عناصر غير واعية من الفئات الشعبية على أسس تعصبية, وسعت حكومة البخيت إلى اتصالات موسعة مع نشطاء الحراك الشعبي, وجرى تنظيم زيارات ملكية للمحافظات والعشائر. ومن جهة الحركة الإسلامية, بُذلتْ, خصوصا بعد فشل اعتصام 24 آذار, مساع محمومة لاختراق هيئات الحراك الشعبي, وفي عقد تحالفين, تحت الاختبار, أحدهما مع شخصيات بيروقراطية معارضة في ' الجبهة الوطنية للإصلاح' وثانيهما مع أطراف في الحراك الشعبي في ' التجمع الشعبي للإصلاح'.
غير ان قوى المعارضة الشعبية الجديدة أفلتتْ, وحافظت على اتجاه استقلالي يتبلور بهدوء, لكن بثبات. والسبب في ذلك انها تعبّر عن راديكالية وطنية اجتماعية ليس بمقدور محافظي الحكم, استيعابها, لثلاثة أسباب اولها أن دولة القطاع العام قد تفككت بالفعل, فلم يعد لدى الحكم آليات لإعادة توزيع اجتماعي سياسي للثروة, وثانيهما أن الإطاحة بسيطرة الليبراليين الجدد وشبكة الفساد هي خارج البحث الفعلي, وثالثها أن تكوين فئات الحكم وعلائقه الإقليمية والدولية, تعرقل اعتماده ايديولوجيا وإجراءات تستجيب لإندفاعة تحقيق الذات الوطنية.
الحركة الإسلامية, ستظل عاجزة, بدورها, عن تقديم إطار يستوعب المعارضة الجديدة. ذلك أن الإسلاميين يمنحون الأولوية المطلقة للإصلاحات السياسية التي تمكنهم من المشاركة في الحكم, مدفوعين بتحسن وضعهم الإقليمي والدولي, بينما يفتقر تكوينهم الفكري السياسي لرؤية اجتماعية اقتصادية بديلة تستجيب للطموح الشعبي المعادي للامتيازات الطبقية والليبرالية الإقتصادية والفئات المبرجزة. وحتى الآن, لم يستطع الإسلاميون الخروج من دائرة الخطاب الخيري الذي أصبح يستفزّ كرامة الكادحين. من جهة أخرى, فإن ايديولوجية الإخوان الأممية لا تتناسب مطلقا مع فورة المشاعر الوطنية.
نحن, إذا, أمام مشهد ثلاثي: الحكم, والحركة الإسلامية, والحركة الاجتماعية الشعبية. ويتمتع الطرف الأول والثاني بصلات ودعم من ذات القوى الإقليمية والدولية. وهذه الخلفية تسمح باتجاههما نحو التحالف في إطار إصلاحات سياسية متفق عليها بينهما. لكن قوى المعارضة الشعبية الجديدة تظل تمسك بالميدان, ولم يعد ممكنا تجاوزها, أو تجاوز مطالبها الوطنية الاجتماعية التي ترى في الإصلاح السياسي بندا من بنود التغيير المطلوب, وليس البند الوحيد او الأساسي. وبينما تتجه المعارضة الجديدة للتبلور في خطاب وهيئات منظمة, فإنها تستقطب المزيد من عناصر التيارات القومية واليسارية التقليدية التي ليس لها مكان في تفاهم الحكم والإخوان, وإنما لديها بديلان لا غير:الاندماج في المعارضة الجديدة او مغادرة المشهد.0
ynoon1@yahoo.com