14-08-2011 08:00 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
الرؤى السياسية لا قيمة لها من دون رجال ونساء, يؤمنون بها ويعتبرونها قضيتهم ومحور اهتمامهم وديدن حياتهم. فالأفكار تصبح قوة مادية فقط عبر البشر. ولذلك, لا معنى للتغيير الديمقراطي من دون نخبة ديمقراطية. ولا يمكن تجديد النظام السياسي من دون نخبة سياسية جديدة. ومن خصائص هذه النخبة أن تفرزها آلية صناديق الإقتراع الحرة, ولا شيء سواها; لا التعيين, ولا التفاهمات, ولا المحاصصة, ولا التزوير,ولا نظام انتخابي من شأنه غلق المنافسة على مترشحين من النوعية ذاتها.
لقد فشلت لجنة الحوار الوطني في التوصل إلى اقتراح نظام انتخابي إصلاحي جذري, فاوصت بنظام مختلط غامض على مستويين; قائمة مفتوحة على مستوى المحافظة, واخرى ¯ لا تزيد على 15 مقعدا ¯ على مستوى الوطن. وقد تبين أن هذا النظام مشوب بمشكلات فنية, فجرى طيه, في حين بدأت لجنة حكومية بمناقشة بدائل محكومة باعتبارات تقليدية وأمنية وديموغرافية. وبالنتيجة, سوف تتجه اللجنة إلى اقتراح نظام انتخابي يحقق معادلة معقدة, تبدأ بإرضاء القوى التقليدية, وتأخذ المحاذير المختلفة بحسابها, وتحاصص, وتنتهي بإرضاء الإخوان المسلمين المطلوب إرضاؤهم في ضوء حسابات إقليمية ودولية.
كل ذلك سيفاقم الأزمة السياسية ولا يحلها, لأنه سيؤدي إلى برلمان يمثّل المعادلة المطلوبة, ولا يمثل الإتجاهات الاجتماعية السياسية الكبرى في البلد, ولا يتمتع بالثقة اللازمة للحصول على السلطات والصلاحيات, وتشكيل حكومة برلمانية لديها القوة والشرعية لتجديد النظام السياسي والدولة وإطلاق مرحلة وطنية جديدة.
إن التمثيل الجهوي والعشائري له وجاهته في ظل نظام سياسي مستقر ذي سياسات اقتصادية واجتماعية ناجحة أو فعّالة او مقبولة, والحسابات الأمنية يمكن التعاطي معها في ظل مواجهة مخاوف سياسية محددة, لكن, عندما تكون الدولة في مرحلة إعادة تأسيس, فلا معنى إلا للتمثيل الوطني. إن المطلوب من الانتخابات المقبلة هو فرز نخبة سياسية وطنية جديدة موثوقة, تُحال إليها المهمات التشريعية والحكومية اللازمة لإعادة البناء. وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون اعتماد الدائرة الوطنية, أي اعتبار المملكة دائرة واحدة تجري فيها الانتخابات بين قوائم مغلقة على أساس النسبية, بحيث يكون الناخبون مضطرين للإقتراع وفق دوافع برامجية سياسية.
لقد جادلني مسؤول مهم بالقول : إن السياسي القادر على الفوز على المستوى الوطني قادر على الفوز, بالضرورة, على مستوى المحافظة. واظنه رأيا حسابيا لا علاقة له بدراسة الواقع الاجتماعي السياسي. فالقيادات الوطنية ¯ ولأنها كذلك : وطنية ¯ تحظى بمؤيدين على شكل مجموعات مسيسة منتشرة في المحافظات, ولكن ليس لها, في كل محافظة على حدة, كتلة مؤيدين كافية لإنجاحها. ويُستثنى من ذلك الإخوان المسلمون الذين تتركز جماهيرهم في مناطق محددة في محافظات محددة, بما يشبه الكتل العشائرية. وإذا ما جرى تفصيل النظام الإنتخابي الجديد على أساس إرضاء وتمثيل الكتل المحلية, فإن البرلمان المقبل سيكون مزيجا من العشائريين والإسلاميين. ولن نحصل, بالتالي, على هيئة سياسية لها شرعية وكفاءة تشكيل الحكومات وممارسة السلطات وتجديد الدولة وسياساتها.
التجديد السياسي السلمي الشامل يتطلب نظاما انتخابيا جديدا بالكامل, أي نظاما يقوم على الدائرة الوطنية الواحدة. ولا أجد أن هنالك أية مخاوف تحول دون ذلك. (1) فبالنسبة لتمثيل المحافظات, يتم الإبقاء على نسبه الحالية من خلال إلزامية تكوين عضوية القوائم من جميع المحافظات, (2) وبالنسبة للمخاوف من الكثافة الديموغرافية ذات الأصل الفلسطيني, فهذه المخاوف تظل محدودة إذا تم إخضاع التجنيس للقانون, وبالتالي وقف تفاقمه. وهي مخاوف ¯ حتى لو سلمنا بها ¯ تظل قائمة على الصعيد الجهوي وليس الوطني. فعلى المستوى الأخير لا يوجد ترجيح ديموغرافي, واخيرا, على المستوى السياسي الواقعي, فإن نسبة الإقتراع, هنا, لا تتعدى ال¯30 بالمئة, (3) أما المخاوف من سيطرة إخوانية, فهي مخاوف أمنية لا علاقة لها بحسابات الصراع الاجتماعي السياسي. فقد تبدل المشهد, وثمة قوى وطنية شعبية جديدة وازنة ولدت, وهي تطمح بالتعبير عن نفسها من خلال المشاركة في البرلمان والحكم. وهذه القوى بالذات هي التي تحتاج اليوم إلى التنافس على الصعيد الوطني, فقاعدتها على مستوى البلد قد تمنحها ربع الأصوات الوطنية, بينما قواعدها على صعيد المحافظات, قد تحرمها من التمثيل البرلماني. وفي النهاية, هذه معركة الشعب الأردني, فاتركوه يخوضها.0
ynoon1@yahoo.com