16-08-2011 12:00 AM
كل الاردن -
طاهر العدوان
استكمالاً لمقال امس حول حصاد التيار الاسلامي من مواسم الربيع العربي الذي تناول حاضر جماعة الاخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس, سأحاول ان ألخص في مقالة واحدة حاضر الجماعة وحزبها في الاردن منذ بداية الحراك الشعبي الذي كان قد بدأ عمليا قبل 'الربيع العربي' بشهور طويلة.
للاخوان تاريخ سياسي حافل في الاردن فلم يكونوا يوما 'الجماعة المحظورة' كما انهم لم يبدأوا من المعارضة ليصلوا الى كراسي الوزارة, انما على العكس نزلوا عن الكراسي الى شارع المعارضة, احيانا برغبة اهل الحكم وضغوطهم, واحايين اخرى بقرارهم وارادتهم. اذا لهم في الحياة السياسية الاردنية باع وذراع منذ نشأتهم في اواخر اربعينيات القرن الماضي.
تجاهل الاخوان او عزلهم عن الساحة السياسية لم يكن منطقيا, فاذا كانت مواقف المعارضة الاخوانية تحددها برامجهم الحزبية وايقاع الشارع, فان مسؤوليات الدولة هي وضع السياسات الشمولية ذات الطابع الوطني التي تتسع للمعارضة قبل الموالاة, فالحفاظ على التوازن والتعامل مع التضادات والاختلافات في المجتمع هي مهمة الحكم وليس مسؤولية المعارضات. وعندما فشلت آخر حركة تقارب بين الدولة والاخوان عشية انتخابات 2007 وانتهت بطعنة لهم في الظهر اصبح وجود الاسلاميين في شوارع المعارضة ضرورة وجود وخلاصة لتجربة مرة. وكان على الحكومة السابقة ان تبادر باصلاح ذات البين في انتخابات 2010 لكنها 'زادت الطين بلة' بقانون الانتخاب الجديد الذي استهدف تكريس حالة سياسية لا مكان للاخوان فيها.
لقد فاجأ الربيع العربي منظمي سياسة المواجهة بين الطرفين 'الدولة والاخوان' فتمترس كل منهما خلف حواجز من عدم الثقة والشكوك وحتى غياب الرغبة في اللقاء واجراء حوارات جدية. وكان لهذا ترجمته الفورية على الارض.
فالاخوان اختاروا اللجوء الى قوة الشارع مع تصعيد مواقفهم وشعاراتهم, والدولة اختارت الطريق نفسه, اي النزول الى الشارع لمواجهة الجماعة وحزبها مع تصعيد لهجة الخطاب الرسمي ضدهم.
اما حصاد المواجهة لكل من الحكومة والاخوان منذ بداية الربيع العربي, فيمكن استعراضه بالنقاط التالية: 1- لقد نجحت الجماعة في تكريس وضعها كقوة حزبية رئيسية او انها تكاد تكون الوحيدة التي لها قيادات تصطف آلاف الجماهير خلف شعاراتها في 'مظاهرات الجمعة', لكنها في الوقت نفسه فشلت في استقطاب تيارات شعبية عريضة مثل تلك التي تميزت بها مظاهر الحركات الاحتجاجية العربية, ويشاركها في هذا الفشل الاحزاب والحركات الشبابية الاخرى التي ظلت قدرتها على حشد الجماهير متواضعة.
2- نجحت اجهزة الدولة في عزل تيارات وقوى اجتماعية واسعة عن الاخوان بتغذية مشاعر عشائرية واحيانا اقليمية من دون مراعاة لدقة وخصوصية اللحظة التاريخية, والاستهتار بخطورة اثارة مثل هذه المشاعر على لُحمة المجتمع وقوة الدولة. والنتيجة ان تحولت هذه التيارات والقوى الى جزر من المعارضات 'على اساس عشائري' في جميع انحاء المملكة مما يسقط ابراج سياسات أمنية قصيرة النظر على مدى العقود الماضية. معارضات رفعت من سقف شعاراتها لما هو اعلى بكثير من الشعارات الراديكالية لبعض قيادات الاخوان.
3- لقد نجحت الدولة في التفاعل مع مناخات الربيع العربي عندما حددت مواقف مؤيدة واخرى محايدة من ثوراته بما انعكس ايجابيا على المزاج الداخلي للاردنيين, من جانبهم نجح الاخوان في اقصاء تهمة 'التبعية لحركة حماس' ولمعسكر 'الممانعة والمقاومة' بمواقفهم الحازمة والقوية من مذابح اسد سورية الذي يعتبر الحاضن الرئيسي لقيادة حماس وهو ما يرسخ طابع الاخوان كقوة تنحاز الى خيارات الشعوب العربية في المنعطفات الحاسمة. والواقع ان الجماعة وحزبها وطبيعة العضوية فيها بما تضم من اردنيين من جميع الاصول والمنابت تمثل نموذجا لمستقبل التعددية السياسية في الاردن, وللكيانات الحزبية المطلوبة القادرة على الوجود والاستمرار.
اليوم وبعد الانتهاء من التعديلات الدستورية ومشاريع قانوني الانتخابات والاحزاب المؤسسة لقواعد الاصلاح السياسي من المهم اعادة طرح ملف العلاقة بين الدولة والاخوان على طاولة الحوار, او بالاحرى 'طاولة التفاوض' لان اجراء انتخابات نيابية مقبلة بغياب الاسلاميين سيمثل اخفاقا كبيرا لمشروع الاصلاح السياسي, ستدفع الدولة والاخوان ثمنه باهظا. لم يعد ثمة وقت لمواصلة اختبارات القوة والشد والجذب بين الطرفين. فمن الحكمة ان نرى ربيعا آخر بين الدولة والاسلاميين سيسهم بلا شك في ربيع اردني بسماء زرقاء صافية.
taher.odwan@alarabalyawm.net