25-08-2011 01:11 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
خبر صغير من 40 كلمة على عمود جانبي, خبر 'مفرد', كما نقول في الصحافة, خبر لا يهتم به المحرر الذي يتفنن بالمنشيتات الخاصة بالربيع العربي - الأمريكي, خبر يطوي صفحة شهداء ومفقودين وارامل ومشردين بالملايين, وينسخ ذكرى مقاومة لم تجف دماؤها كانت مالئة الدنيا وشاغلة الناس قبل بضع سنين فقط. الخبر ينقل عن مسؤول أمريكي من الدرجة الثانية أن الحكومة العراقية وافقت على تمديد الوجود العسكري للغزاة إلى ما بعد نهاية 2011 .
كان ذلك محور اتفاقية بين 'الدولتين الديمقراطيتين' أقرها مجلساهما النيابيان المنتخبان, لكن للبنتاغون قراراته الإلهية التي لا تُرسَل إلى اي برلمان.
مَن يهتم? مَن عاد يهتم بجلاء الاستعمار الأمريكي عن العراق, بينما المعارضات العربية تستجلبه خاشعة لتخليصها من خصومها.
حلف الناتو, للعلم, ليس جمعية خيرية لرعاية الديمقراطية, ولم تصلنا بعد الأخبار عن اعتناقه الإسلام. الناتو حلف المستعمرين بقيادة واشنطن, صاحبة مبادرة ديمقراطية الفناء في العراق, إذا كنتم تذكرون?
هل يذكر أحد ما, حرب الإفناء في أرض الرافدين? وبول بريمر . و'مجلس الحكم' الطوائفي? وأبو غريب ?
مَن يتذكر? مَن يهتم ?
قيادات المعارضة السورية تعيب على الناتو أنه يهمل القيام بواجبه في سورية, لكنه عما قريب ربما يفعل. هنالك, أولا, مهمة على السفير الأمريكي في دمشق إنجازها : التشبيك بين قوى المعارضة وتوحيدها في 'مجلس حكم' ...أقصد في ' مجلس انتقالي' يتبنى برنامجا سياسيا موحدا, ويتم اعتباره ممثلا للشعب السوري, وباسمه يأتي حلف الناتو معززا مكرما غير معني بالشرعية الدولية التي يعرقلها الدكتاتوريون الروس والصينيون.
حظّ اوباما يفلق الصخر. ولا بد ان نقول لجورج بوش الصغير: لم نفهمك! ولم نفهم المعارضة العراقية, فصدام حسين كان هو الآخر من كبار الدكتاتوريين. علينا الآن أن ننقد أنفسنا.. فتأييدنا لصدام كان خطأ, ووقوفنا معه في عدم استجابته لنداءات بوش الصغير بالرحيل, كان خطأ, والمقاومة كانت خطأ, ورفضنا للديمقراطية الطوائفية كان خطأ.
المفارقة أن شيخ المحافظين الجدد, بول وولفوفتز, كان قرر, العام 2002 ، أن مشكلة السلام في الشرق الأوسط , أن 'الأقليات' تحكم 'الأغلبيات' في العراق وسورية ... والأردن! .
الربيع العربي ليس مؤامرة بالطبع, ودوافعه متجذرة في أنظمة الاستبداد والفساد, لكن الحراك الشعبي غير المنظم, يقع, دائما, في أيدي المنظمات السياسية للمعارضة المحترفة. وهذه تتوافق مع الأنظمة في ثلاثة محاور رئيسية هي: (1) استعدادها - المفرط - للتعامل مع الإمبريالية من موقع الأداة, وغياب مفهوم التحرر الوطني عن وعيها وخطابها (2) قبولها بالنيوليبرالية وأيديولوجية السوق والخصخصة الخ (3) غياب المنظور الوطني الاجتماعي عن تكوينها ورؤاها.
لكنها تختلف عن الأنظمة في شيء واحد: إدعاؤها الإيمان بالليبرالية السياسية والنزاهة. وهو إدعاء مغر للجماهير المسحوقة في القبضات الأمنية ومزكومة الأنوف بروائح الفساد. لكن ما ستجنيه الجماهير في النهاية, هو شيء من الحرية والكثير من القهر الوطني والاجتماعي والجوع والتهميش, بينما تدلنا التجربة على أن الفساد ليس ظاهرة أخلاقية معزولة في اقتصاد السوق المعولم, وإنما هو آلية أساسية من آليات العولمة الرأسمالية.
البديل? هو العودة إلى الوعي التحرري الوطني الاجتماعي وانتظام الجماهير في أحزاب تختزن ذلك الوعي. فالمزاج اللاحزبي للنشطاء يحوّلهم إلى أدوات للأحزاب المضادة لمصالحهم ومستقبلهم.
ynoon1@yahoo.com