26-08-2011 11:21 PM
كل الاردن -
ناهض حتر
'أبيش' اداة نفي في عائلة اللهجات الحورانية, اختفت إلا من لهجة السلط (بتشديد السين وفتحها وتخفيف اللام المكسورة). وبحسب عالمة اللغويات الأردنية المقيمة في بريطانيا, الدكتورة إنعام الور, فإن اللهجات الحورانية تبدأ من جنوب دمشق وتنتهي عند الموجب, حيث تبدأ شقيقتها عائلة اللهجات المؤابية. إلا أن المفارقة أن اكتمال اللهجات الحورانية سار من الشمال إلى الجنوب, لكي يستقر في السلط, بينما تتبدى المؤابية أكثر ما تتبدى في لهجة الكرك. وربما يكون ذلك عائدا إلى الأدوار المديدة التي لعبتها المدينتان كمركزين سياسيين.
لا توجد, بالنسبة لعلماء اللغويات, اختلافات بين اللهجات الحورانية تسمح بتصنيفها خارج عائلة واحدة. وبينما يلمس أبناء المناطق الحورانية, الفروقات الطفيفة بين لهجة إربد وجوارها وبين لهجة السلطية, فإن غير الأردني يصعب عليه التمييز بينهما, وهو يحتاج إلى تركيز ومعرفة لكي يلاحظ الإختلافات التي تميّز اللهجة المؤابية الكركية التي تظهر التفريق الجنسوي المضاعف للمخاطَب (بفتح الطاء). فالحوراني يقول للمرأة: عندك (بتشديد النون وكسر الدال وتسكين الكاف) بينما يقول لها الكركي: عندكي. وربما يكون الأصل في ذلك, ترسّخ حضور المرأة المؤابية أكثر من شقيقتها الحورانية.
إلا أن من علامات إندماج الكركي, أردنيا, تخليه عن استخدام فروقات اللهجة المؤابية, لصالح التوافق مع اللهجة الحورانية. وهو ما ينطبق على أهالي الحواضر الفلسطينية المندمجين في عمان, ذلك أنهم يتخلون عن لهجاتهم لصالح الحورانية العمانية.
لهجة عمان الإندماجية هي تركيب حوراني خاص مستحدث من اللهجة السلطية مع مؤثرات اللهجة النابلسية المدينية المحدثة. وقد اخذت اللهجة العمانية, المنحى الحوراني العام وتمسكت بالقاف ( الملفوظة كالجيم المصرية), وأحرف العلة, بينما أخذت من اللهجة النابلسية, الأحرف الصامتة. ويحتاج تأثير نابلس - الذي لم يتح لمدينة فلسطينية اخرى - في التكوين الاجتماعي والسياسي والثقافي الأردني الحديث, إلى وقفة دراسية.
لا أريد أن أحرق إكتشافات الدكتورة الور التي يتضمنها بحث غير منشور. لكن, سأركّز على استنتاجات هي:
1- اللهجة العمانية المستحدثة والتي لا يشمل استخدامها كل سكان عمان أصبحت عضوا اصيلا في عائلة اللهجات الحورانية. وبنشوء هذه اللهجة المدينية اكتملت عمان كواحدة من حواضر الشام الكبرى; دمشق, بيروت, القدس ... التي طورت كل منها لهجاتها الخاصة سابقا. ويمكن القول إن الحورانية العمانية هي لهجة الإندماج اللهجوي الأردني.
2- أن اللهجة العمانية هي, للأسف, لهجة الذكور المندمجين في الحياة السياسية. ومن علامات اندماجهم لفظ القاف الحورانية (كالجيم المصرية). وهو ما لا ينطبق على النساء المهمشات سياسيا, فيلفظن القاف ( آ) متمثلات اللهجات الشامية والمدنية الفلسطينية واللبنانية, ويتبعن المؤثرات الأخرى لهذه اللهجات. فطريقة لفظ القاف تحكم منحى اللهجة كله.
3- ولأن النساء اللواتي بقين خارج دائرة الإندماج والنفوذ السياسيين يقمن بعمل سياسي رئيسي هو تربية الأطفال, فإنهن يعرقلن التطور الطبيعي للهجة العمانية الحورانية, ويتركن لدى أطفالهن الذكور, خلائط لهجوية قد تعرقل اندماجهم وتطورهم السياسي. وهم يسعون لمغالبة تلك الخلائط بشيء من الصعوبة, ويضطرون لاستخدام لهجتين, واحدة مع اندادهم الذكور وأخرى مع الصبايا.
4- قبل أن نعظ النساء بالأهمية السياسية القصوى للإندماج اللهجوي, علينا, أولا, أن نساعدهن, بجد, على الإندماج السياسي, وعندها سيلفظن القاف الحورانية المؤابية الجميلة مثل الرجال, ويسهمن بالإندماج اللهجوي الذي لا مفر منه لتوحيد التكوين الوطني والمدرسة وإغناء الحياة اليومية وخلق الفضاء العام المديني الموحد وتطوير الدراما والأغنية ... الخ.0
ynoon1@yahoo.com