03-09-2011 11:16 PM
كل الاردن -
ناهض حتر
طرح الملك عبدالله الثاني في لقائه مع عدد من الصحفيين, سؤالين: من هو الأردني? وما معنى أن تكون أردنيا? وعندما يطرح رأس الدولة نفسه, سؤال الهوية, يكون السؤال قد وضع نفسه, بقوة,على أجندة الدولة. وبالنسبة لي لم يكن سؤالا الملك مفاجأة. فأي معالجة جدية ومسؤولة لمرحلة إعادة البناء, تفرض على السياسي, أولوية بحث مسألة الهوية الوطنية التي يتجنبها السياسيون لأربعة دوافع منها الانتهازية السياسية التي تبتعد عن وجع الرأس, ومنها النزعة القومية التي لا تريد الاعتراف ¯ رغم كل الوقائع ¯ بالأردن كوطن نهائي في إطار المنظومة القطرية العربية, ومنها نزعة وتيار الوطن البديل, ومنها تيار 'واقعي' يرى أن اتجاه التطورات سوف يفضي إلى كونفدرالية مع الكيان الفلسطيني مما يستوجب الصمت حول سؤال الهوية الأردنية, تحضيرا للتساوق مع تلك ' الحتمية الكونفدرالية' المدعاة.
مَن هو الأردني? سؤال ينبغي ألا يخرج عن الإطار القانوني.الأردني هو الذي يحمل الجنسية الأردنية.
لكن هذا الجواب يولّد, بدوره, سجالا حول مَن يحق له التمتع بالجنسية الأردنية. فهناك من يرفض قرار فك الإرتباط مع الضفة الغربية, ويعتبر ان الجنسية الأردنية حق لجميع ابناء الضفة. وهناك مَن يرى أن الجنسية الأردنية هي حق لأبناء الضفة المقيمين في الأردن بعد 1988 ايضا, وهناك مَن يريد تجنيس الغزيين المقيمين, والتجنيس بالزواج الخ وقد تمت, بالفعل, الاستجابة لهذه الآراء, بمنح الجنسية الأردنية لعشرات الآلاف من هذه الفئات, خلافا لتعليمات فك الإرتباط.
وعلى الجهة الأخرى, هناك من يرى أن الجنسية الأردنية هي حق, فقط, لمن كان أردنيا من أبوين عثمانيين, وهناك مَن يوقف هذا الحق على سنة 1946( قيام المملكة), أو على سنة 1967 ( أي اللاجئين دون النازحين) لكن هذه التيارات تتراجع بسبب تطور المنحى الديمقراطي التقدمي في صفوف الوطنيين الأردنيين لصالح الاعتراف بوجود مكوّن فلسطيني بين مكونات الشعب الأردني.
من الواضح أن المسؤولية عن هذا السجال السيئ جدا في منطلقاته وأهدافه, تقع على عاتق السياسات الرسمية التي لم تحوّل تعليمات فك الارتباط إلى صيغة قانونية جازمة, وابقت الباب مواربا لدخول الشياطين.
سؤال: مَن هو الأردني? ليس موضع حوار, وينبغي ألا يكون. وتستطيع الحكومة أن تحسمه بقرار سياسي هو تضمين تعليمات فك الإرتباط لعام 88 في قانون الجنسية. بذلك, يكون الأردني هو الحاصل على الجنسية الأردنية بموجب القانون الذي ينبغي, نظرا للمعادلة الديموغرافية الحساسة في الأردن, تعديله بحيث يمنع التجنيس قطعيا, ولأي سبب كان ¯ بما في ذلك الزواج ¯ ولأي كان بغض النظر عن الأصل والإقامة, ويمنع إزدواجية الجنسية.
بذلك, سيكون جميع المواطنين من أصل فلسطيني لما قبل 31 آب ,1988 أردنيين بصورة قانونية ونهائية, بينما يكون الفلسطينيون في المملكة المهاجرون بعد فك الارتباط, مقيمين كسواهم من العرب, لكن مع افضلية حصولهم على الخدمات العامة كالأردنيين. ويمكن ترتيب إقامتهم باتفاق مع الجانب الفلسطيني, خصوصا بعد الإعتراف الأممي بالدولة. ويمكن لعمان ان تنظّم مشاركتهم في الانتخابات الفلسطينية كما فعلت مع العراقيين . إن كل البلدان التي ستعترف بالدولة الفلسطينية, ستعترف بوثائقها, ولا يعود هنالك من حاجة لجواز السفر الأردني المؤقت.
ينشأ عن ذلك إطار قانوني صارم يحدد بوضوح مَن هو الأردني. وعندها, يجب حل دائرة المتابعة والتفتيش ووقف كل أشكال التمييز ضد أي مكون من مكونات الشعب الأردني الواحد, سواء لدى القطاع العام أم لدى القطاع الخاص.
هذا جواب السؤال السهل: مَن هو الأردني? ونلاحظ أنه يتعلّق بإجراءات قانونية وإدارية. وهو ليس سؤالا مطروحا على الشعب ولكنه مطروح على الإرادة السياسية للنظام.
أما السؤال الثاني: 'ماذا يعني أن تكون أردنيا?' فهو سؤال صعب وشائك واستقطابي. وجواب هذا السؤال مرهون بالتطوّر الاقتصادي الاجتماعي للبلاد واتجاهه, والتعليم واتجاهه, وبمسار التحوّل الديموقراطي, وامكانية ولادة نخبة وطنية موحدة الخ, لكن كل ذلك يظل خارج البحث ما لم يُحسم الجانب القانوني للمواطنة.
برأيي أن مركزية الدولة والقطاع العام الإداري والاقتصادي, وإخضاع القطاع الخاص لخطط تنموية وطنية, وتعزيز مكانة ودور المؤسسة العسكرية, الوطني و الاجتماعي والتنموي, واستحداث شبكة مواصلات وطنية بالسكك الحديد لضمان سيولة قوة العمل والتواصل, والاستثمار الزراعي والصناعي في المحافظات, ووقف تسليع الأراضي, وإحداث ثورة وطنية وديمقراطية ومدنية في المدرسة والجامعة والإعلام, وتوحيد الذاكرة والنظرة إلى الماضي واللهجة.. هي بعض المسارات المفضية لتوحيد الجواب على سؤال: ماذا يعني أن تكون أردنيا? وهو ما يعني أننا بإزاء مشروع تاريخي لا بإزاء جواب إجرائي.
عندما توصّل مهاتير محمد إلى تصوّر مشروع كذاك, لتوحيد المجتمع الماليزي المنقسم إلى مالويين (في القطاع العام ) وصينيين ( في القطاع الخاص) وهنود ( في القطاع التجاري التقليدي), وضع الأسس للانتقال بماليزيا المتخلفة إلى موقع الاقتصاد رقم 14 على المستوى العالمي.
أدمجت ماليزيا كل مكوناتها في إطار دولة وطنية مالوية ¯ وليس في فدرالية مكونات ¯ فاصبح التنوّع ميزة, حتى أنه يُذكَر في اعلانات الترويج السياحي التي تقول فخورة: ' ماليزيا... آسيا الحقيقية'. يمكننا أن نتعلم من التجربة الماليزية, وربما في عقد واحد, يمكننا القول: ' الأردن .. الشام الحقيقية'!0
ynoon1@yahoo.com