11-09-2011 10:15 PM
كل الاردن -
ناهض حتر
ظهّرت وثائق ويكليكس الأردن, حقيقتين هما (1) أن الشغل الشاغل للسفارة الامريكية بعمان, على مدار سنوات, يتمحور حول نسج رواية حول الأردن تنسجم مع المتطلبات الإسرائيلية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الأردني وكيانه الوطني, (2) أن هناك تيارا محليا يتعاطى مع الجهد الامريكي ذاك, ويزوّد الرواية الإمبريالية عن الأردن بمستلزماتها الحكائية والميدانية.
قوبلت هاتان الحقيقتان بالصمت من قبل الحكومة الأردنية التي نتوقع منها على الأقل استدعاء السفير الامريكي وسؤاله حول نشاط سفارته المعادي, والشروع في تحقيقات مع المتعاونين الأردنين.
لكن الصمت الرهيب هو صمت الشخصيات والهيئات السياسية والنقابية المعارضة, المعتادة على إصدار مواقف سريعة حول قضايا أخفّ وزنا بكثير. وباستثناء المتقاعدين العسكريين الذين نددوا بنشاط السفارة الصهيوني الأهداف, ودعوا إلى اعتصام احتجاجي ضدها, فإن ردود الفعل على فضائح ويكليكس, اقتصرت على الكتابات الصحافية.
أهو الكسل ? كلا. إنما الشعور العميق بالإحراج. فبالمقارنة بين رواية السفارة وبرامج المعارضة, يتضح أن الفارق بينهما لا يعدو اللهجة ومستوى الصراحة. لهجة السفارة وقحة ومعالجتها لروايتها صريحة كليا في تحديد الدواعي والأهداف, أما من ناحية المضمون السياسي فإن برامج التحول الديمقراطي المطروحة من قبل هيئات في المعارضة لا تبتعد, جوهريا, عن طروحات السفارة.
دعونا نلاحظ أن مطلب (الملكية الدستورية) المترافق مع مطلب (النظام الانتخابي القائم على الكثافة السكانية), ينتهي إلى ما تريده السفارة بالضبط. اي إحداث انقلاب ديموغرافي سياسي في النظام السياسي الأردني, يكفل قيام الوطن البديل.
والوطن البديل ليس مجرد مشروع صهيوني نواجهه بالوحدة الوطنية, إنه مشروع داخلي أيضا. وهو يستبعد الأوهام, فلا يستهدف إقامة دولة فلسطينية في الأردن, ولا يهتم بتغيير وضع الدولة الأردنية القانوني وهيئتها وعلمها, لكنه مشروع واقعي الأهداف, ويقوم على الاستيعاب السياسي لكتلة رئيسية من فلسطينيي اللجوء والضفة الغربية في سياق الدولة القائمة في الأردن. ولا يتطلب تنفيذ ذلك سوى خطوات لها مسوّغات إنسانية وديمقراطية.
الأردن يحتاج بالحتم إلى ملكية ديموقراطية, لكن تحولا كهذا ينبغي أن يكون في سياق وطني بالكامل. ولذلك, فإن الإصلاح السياسي في بلدنا لا يمكن إلا أن يكون حزمة واحدة تتضمن قوننة فك الارتباط والتحول الديموقراطي وتنمية المحافظات والحفاظ على أغلبيتها التمثيلية في أي نظام انتخابي. ومن الواضح أن إصلاحا خارج هذه الحزمة ليس سوى إصلاح أمريكي الهدف.
يرفض الإخوان المسلمون تقليديا فك الارتباط مع الضفة الغربية ¯ على رغم اعترافهم بالكيان الفلسطيني ¯ وقد التحقت بموقفهم هذا قوى كانت تعتبر, في أزمنة النضال, فك الارتباط 'انتصارا تاريخيا للشعب الفلسطيني ' على حد تعبير المناضل الراحل جورج حبش. وبينما كان الرئيس احمد عبيدات في الثمانينيات أكثر المتشددين في تطبيق تعليمات فك الارتباط, فإنه يتحدث اليوم, عن ' وحدة أبدية' بين الضفتين. وقد يؤول ذلك إلى ما نظّر له عدنان أبو عودة من فدرالية ثنائية داخل الدولة الأردنية أو إلى كونفدرالية مع أجزاء من الضفة الغربية وغزة, يكون الأردن قاعدتها في إطار ملائم لاستيعاب الديموغرافية الفلسطينية, اقتصاديا وسياسيا, في سياق حل نهائي.
الصيغتان واقعيتان من حيث المعطيات وموازين القوى القائمة اليوم. وتتعاطى القوى السياسية البراجماتية مع الصيغتين على أساس مساومة تتضمن التخلي عن البرنامج الوطني, فلسطينيا وأردنيا, مقابل استعمال الضغط الامريكي لتحقيق البرنامج (الديمقرطي).
هذه المساومة العلنية أو الضمنية, تتخفى بالإنشائيات العاطفية, ومهاجمة الوطنيين ومحاولة عزلهم, ثم الصمت حيال فضيحة التوافق مع المشروع الامريكي.
ynoon1@yahoo.com