26-09-2011 09:55 PM
كل الاردن -
راكان المجالي
للزمنِ سطوةُ المستبدِّ.
ولا شيء يجمعُ النقيضين، في وجوده، كما يفعلُ الزمن. هش وبالغ القسوة والصرامة، في الوقت عينه. قاطعٌ كسيف في مواقيته. وهش كهباء في مروره. فكلُّ شيءٍ حولنا يذكّر بمرور الزمن وتبدّده، في آنٍ معاً. الساعات وتكتكاتها.. اللاسعة. الشمس ولحظات إشراقها وزوالها: الصباحُ، والضحىُ، والظهيرةُ، والأصيلُ، والغروب. العُمرُ، والشيب. تغضّنات الجفون. تجعّدُ الوجوه وتهدّلها.
ومنذ أقدم العصور، والبشرُ يحاولون التحرّرَ من سطوة الزمن. شعوبٌ كثيرة، حاولت الخلاص من سطوته بالأساطير. وبعضها بالأفكار والعقائد. وبعضها بالحنين شكل أزمان بعينها، أو للدقّة بالحنين إلى فكرة الخلود. حيث الفردوس، الذي لا يشيخ، أرضياً كان أم سماوياً. سومريون، ومنذ آلاف السنين، صنعوا أساطيرهم حول زمن الفردوس الأرضي. أساطيرُ عن زمنٍ يكفّ عن ملاحقة الجمال وتبديد الشباب. فأحالوه إلى عشبة خلودٍ.. تائهة في بحر، لا يعثر عليها سوى آلهةٍ من طراز جلجامش.. وضدّه البريّ أنكيدو...
صوفيون، ومنذ مئات السنين، صنعوا أفكاراً، خفّت فيها أوزانهم أو تخفّفت من أثقالها. فإمَّحى، في رؤاهم، الزمن الأرضي. وحلّقوا في المطلق، فراراً من زمنٍ مقيمٍ مهيمن.
العربُ، غير البعيدين، أو قُل عربُ الأمسِ، جعلوه مِزولةً.. للشمسِ، تدورُ على هيئة نصف أرض. وما تزالُ مِزولتهم شاهدة عليهم، في جبين أقصاهم.. القريبّ وجبهته الجنوبية، التي يُعفِّرها الاحتلال.
شعوبٌ أقدم، حاولت اعتقال الزمن وحبسه، في رملٍ زجاجي، أو تحويله إلى رملٍ ينسلّ أمام أبصارهم، بلا ضجيج.
وفي العصور الحديثة، قام الإسباني سلفادور دالي.. بتحويل الزمن إلى ساعاتٍ تسيلُ على أغصانٍ عارية. ليكتمل تحرّر السوريالية.. من الزمن، كآخرِ أشكال السطوة.
أما الهيبّيون.. وقبل نحو أربعة عقود، فقد تحرّروا منه، في ساحات العواصم الأوروبية والأميركية، عبر إلقاء ساعاتهم في أنهار المدن. ليمارسوا بعده الإحتفال والغناء والرقص، في الحقول والساحات العامة، احتفاءً بالتحرّر من الزمن وقيوده، ومن المجتمع وتقاليده. وتلك كانت أعنفُ أشكال محاولات الحداثيين.. للرفض والتحرّرِ. وذلك عبر تكريس عبادة المستقبل، وإلغاء اللحظة القائمة، ورفضها.
ما بعد الحداثيين.. سعوا إلى إلغاء الزمن، عبر تكثيف فكرة الحياة. فلا ماضي ولا حاضراً ولا مستقبلاً. بل زمنٌ مُمتدٌّ، لا حلمَ فيه، ولا تفاؤل، ولا فردوساتٍ.. زمنٌ هيولي..، لا طول فيه ولا عرض، يتمجّدُ فيه الموتُ وحده.
مطلقٌ يتصالح فيه جانبا الطبيعة الإنسانية، المُعتم والمُشرق. عندها، وعندها فقط، تتحرّرُ وسائلُ قياس الزمن من محدِّداتها، فينعتق الزمن من قيوده، ويتحرّك بإيقاعاته الذاتية وحدها. وهناك، يمكن لكلِّ حضارةٍ بشرية أن تمتلك ساعتها الزمنية الخاصّة، التي تملك بدورها إيقاعاً زمنياً خاصّاً بها وحدها..!؟.
بوهمٍ يتكرّر عبر العصور، تستمرّ المحاولات البشرية، للتحرّر من سطوة الزمن. فتنتصرُ أحيانا، بالأفكار، أو تظنّ، أنها انتصرت وتحرّرت من سطوة ذلك المستبدّ غير الرحيم. أما الحقيقة، فإنّها تكون قد منحت المستبدَّ مَدياتٍ.. إضافية، للإستبداد والتأبّدِ، في الوجدانِ والنفوس، وفي واقعِ حَيواتِ الناسِ المعاشةِ أيضاً..!؟ أليس هذا ما أفاد منه المستبدّون والطغاة، على مستوى الأفكار والمعتقدات، وعلى مرّ التاريخ، أوسع إستفادة، ولا يزالون، فتأبّدت سلطاتهم، بتأبّد الزمن وسطوته..؟!.
rakan1m@yahoo.com