أضف إلى المفضلة
السبت , 04 كانون الثاني/يناير 2025
السبت , 04 كانون الثاني/يناير 2025


كلما تساقط المطر!
06-11-2011 10:25 AM
كل الاردن -

alt
ماهر ابو طير

 
كلما تساقط المطر يشتعل الحرمان في قلبي،ذاك الحرمان من المسجد الاقصى،والصلاة فيه،وكم احسد اولئك الذين يعيشون حوله وحواليه،تطوف ارواحهم فيه،وُيكحّلون عيونهم برؤيته.

المسجد العزيز،والقدس التي لاتنسى،قدس العرب والمسلمين والفلسطينيين،اذ كنت استمع الى حكايات جدتي المقدسية،التي تجمع التين والعنب،فتبيعه عند باب العامود،وتعود بالعكك والزعتر،لاطفال صغار.

كنت استمع الى جدي الذي يروي كيف كان يذهب الى زوايا المسجد،زوايا حفظ القرآن،في المسجد،مشياً على الاقدام،من بيت يبتعد بضعة كيلو مترات،الى بيت السماء،يحفظون القرآن،يستمعون الى الذاكرين،ويتلمسون نور العارفين بالله.

جدي كان يصنع الحجر،يدقه،يُسمسمه،وله في القدس ألف يد،والف حجر ينطق باسمه،يالهذه المدينة الحجرية،كل حجر فيها قلب نابض،هل ينسى قلبك امرأة جميلة احبتك،فما هرمت،ولاخانت حبك،ابداً!.

كلما يسقط المطر يغمرني الحزن الشديد.كل شيء في حياتي اردته نلته ضعف مااستحق،باستثناء امر واحد فقط.هو كل الحرمان.الحرمان من الاقصى.

كلما سقط المطر اتذكر فقط قبتي الاقصى وقبة الصخرة،واقول..في الوقت يلمعان،فيشرق قلبي ايما اشراق،مع غصة حزن لا تغيب.

مامن مكان في الدنيا بعد الحرمين في مكة والمدينة احب الي من المسجد الاقصى،تكاد ان ُتغبط شهداء الاسلام على نومتهم حوله وحواليه،تكاد ان ُتغبط شهداء فلسطين والعرب الراقدين حوله وحواليه،تكاد ان تغبط الحجارة وشجر الزيتون واللوز،وقطرات المطر التي نالت شرف المكان.

تكاد ان تسمع صيحات جند الجيش العربي الاردني،ُيكبرون حوله وحواليه،تكاد ان تدمع عينك من هذا الزمن الذي يحرم الناس في "بلاد العرب اوطاني" من زفرة ألم بين يدي الله في المسجد العتيق،من غزل وعشق يباح به،تحت سقف المسجد الاسير.

اي عشق يبقى بعد هذا العشق،واي حرمان مع هذا الحرمان،لاتعوضك الايام،عن حرمانك،وكأنها تعاقبك بأشد مايؤلمك في حياتك.

اكاد اظن المسجد طفلا ينادي عليّ من بعيد،له قلب،ووجه نابض بالطفولة،يتبلل وجه بقطرات المطر،فيجدل شعره،كما فارس،من فرسان الصحراء،اكاد اظنه قلبي،وكل وجداني،ونبض حياتي.

مامن لحظة مؤلمة مثل تلك اللحظة التي اتخيل فيها موتي،اسأل ذاتي:هل اموت مثل الجبناء؟!هل أموت والهزيمة مرتسمة في عيني،هل اموت ورأسي مطأطىء،هل من ميتة غير هذه الميتة؟!.

يخافون قبل موتهم من الحساب والسؤال والجواب،واخاف مثلهم،لكنني اخاف مما هو اكثر مضاضة على قلبي فوق هذا،ميتة المهزومين،وانطفاءة المخذولين،وغياب الشاهدين الساكتين.

حرمان في القلب.الاقصى على بضعة كيلومترات منك،بعيد قريب.تلوم الاباء والاجداد،والاهل وابناء العمومة.القريب والبعيد.الصديق والعدو.

تسأل نفسك من لهذا المسجد؟!من لهذا البيت العظيم؟فيذهب سؤالك ولايعود بجوابه،وكأن السؤال هدهد متمرد من زمن سليمان.

يصحو المسجد في يومه هذا،والناس في عيدهم،الا هو،ليتني كنت ساقياً للماء فأغسله،ناثراً لماء الزهر فأبلل وجهه،عند بواباته،ليتني كنت ماء الوضوء على اقدام المصلين،ليتني كنت ماسح الغبار عن اردية الصغار والكبار.

ايه ايها المسجد.يابيت الله.اسمعك كل لحظة.هاهي انفاسك في انفاسي.يدك تمتد لترفع عن ظهري الاحمال الثقال.يالهذه المفارقة.هذا واجبي تجاهك،ان ارفع الثقل عنك،لكنني اخترت ان اكون مهزوماً،في عداد المهزومين.

يسقط المطر،وكلما سقط المطر اتطلع الى الغرب عبر جبال السلط والكرك،وعبر عمان،فأسمع نبض المسجد.لايتعب ولايشقى،واتذكر حبات المطر تتساقط على القبة الفضية الزرقاء.

اتمنى لو كنت قطرة ماء،اروي عطشي من سر المسجد ومافيه،اتمنى لو كنت غيمة ُيظلل المسجد سمائي،ويقرأ على صدر قلقي الكرسي والفلق،ونون والقلم ومايسطرون.

ليس من حرمان في الحياة،كما الحرمان،من بيت من بيوت الله.بيت المسلمين في العالم.تعب المسجد تعب لهم.اسر المسجد اسر لهم.وكأنه انفاسه في انفاسكم،تعرفون او لاتعرفون،تقرون او لاتقرون!.

تعطيك الدنيا كل شيء.لكنها تقول لك انت محروم.هل من حرمان كما صبيحة العيد،وروحك تقول لك ان شيئاً ما ناقصاً في حياتك.ربما هي صلاة العيد في المسجد الاقصى،ربما هي طراوة الحجر في القدس،وندى سمائها.

ايها الاقصى،انا باقون ما بقي الزعتر والزيتون.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
06-11-2011 12:01 PM

شوقتنا للمطر التايلندي..
مهما وصل الحد ببعض المتشائمين من صحة الربيع العربي
وحسب الحمام المطوق: "هذا اوان الرطب"
الا انه بحق وصحيح انه الربيع العربي شاء من شاء و..
وان المطر الرباني قادم..

2) تعليق بواسطة :
06-11-2011 08:13 PM

كتاباتك ما توحي انك الك رغبة ولو حتى تقطع الجسر...الله يلعن الشيطان ذكرتني عبارتك الاخيرة "ايها الاقصى،انا باقون ما بقي الزعتر والزيتون" بجدتي لما كانت تقول الرجال ثلاثة...واحد شجيع وواحد فهيم وواحد تشذوب.

3) تعليق بواسطة :
09-11-2011 01:38 PM

الى(2)معقول يا ماهر:تحياتي وكل عام وأنت بخير.

4) تعليق بواسطة :
10-11-2011 02:32 PM

الأقصى لمن أقصى النفاق من قلبه.

الأقصى معادلة لا تقبل القسمة إلا على واحد.

الأقصى ليس لك لأنك تكتب عن الله وقيصر بالحماس ذاته وعن السجين والسجان بالبلاغة ذاتها وعن القاتل والقتيل بالحبر ذاته.

5) تعليق بواسطة :
10-11-2011 06:24 PM

مقال جميل يا اخ ماهر

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012