29-11-2011 08:10 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
البلدان العربية المتضررة مباشرة من العقوبات الإقتصادية على سورية هي لبنان والعراق والأردن. اللبنانيون رفضوها, والعراقيون تحفظوا عليها وقرروا عدم تطبيقها, أما الأردنيون فساروا, للأسف الشديد, في الركب القطري.
العقوبات, بحد ذاتها, معيبة; فالقاهرة وعمان والدوحة ترتبط بعلاقات ثنائية واتفاقات إقتصادية مع العدو الإسرائيلي, وهي علاقات لم تتأثر باستمرار الإحتلال والتنكيل بالمدنيين الفلسطينيين, كما أن جامعة الدول العربية, لم تعاقب البحرين واليمن وعسكر مصر, رغم العنف المفرط المستَخدَم ضد المدنيين في هذه البلدان. وهي إزدواجية في المعايير تؤكد الطابع الكيدي للقرارات العربية ضد سورية, ولا تتضمن أية إشارة إلى أن جامعة العرب التي تسيطر عليها الآن أنظمة عائلية, بدأت تهتمّ فعلا بحقوق الإنسان.
حكومة رجب أردوغان التي تعتقل مئات الكتّاب والصحفيين الأتراك وتقتل أكرادها بدم بارد, سوف تلتزم بالقرار العربي لمحاصرة سورية. وهذا هو برنامجها بالأساس. ففي عدائها المسعور لدمشق لا توجد مبررات أخلاقية وإنما مساع توسعية عثمانية تبين أنها قد تتنافس مع إسرائيل ولكنها في العمق تتحالف معها على هدف مشترك هو إسقاط الجدار السوري, كما تتحالف مع الأميركيين, سياسيا وعسكريا, في مواجهة التطورات الوطنية الممكنة في العراق أثناء وبعد الإنسحاب الأميركي.
يتضح من اللوحة أعلاه أن الحبل الذي يربط حلف الخلايجة والأتراك والإسلام السياسي السلفي المتشدد والليبرالي و "الإخواني" وحتى..جماعات "القاعدة", هو حبل مذهبي وجد فيه الإستعمار الأميركي, أداة فعّالة لاستيعاب الربيع العربي وترويضه في نظام جديد من السيطرة على المنطقة المطلوب أن تغرق في حرب طاحنة مديدة على أسس دينية, طائفية ومذهبية, تدمّر كل أشكال الروابط الوطنية والقومية لبلدان المشرق.
هكذا لن نستطيع أن نبتلع موافقة الدبلوماسية الأردنية على العقوبات "العربية" ضد سورية, باعتبارها مناورة لا غير. إنها موقف سياسي من الجارة التوأم لا يمكن ضبط تفاعلاته اللاحقة ولا يمكن تلافي إحتمالات تدحرجه إلى تورّط في صدامات بين البلدين. وهو ما يساوي قرارا أردنيا بالإنتحار.
غير صحيح البتة أن القيادة السورية قد استنفدت "الفرص" العربية. فهذه الفرص العدوانية المؤقتة بالساعات, والمشفوعة بالتهديدات, وبالتصريحات الإستفزازية لحمد بن جاسم, ليست فرصا, وإنما هي سيناريو للتصعيد مرتبط بتهريب السلاح ومقاتلي القاعدة إلى الأراضي السورية وبالحملة الدعائية غير النزيهة التي تشنها فضائيات الجزيرة والعربية والبي بي سي وفرانس 24 التي تغطي مظاهرات المعارضة المفبركة وتنقل بيانات عن قتلى مدنيين مجهولين بيد الجيش السوري, بينما تتجاهل المظاهرات المليونية التي ترفض التدخل الخارجي, كما تتجاهل المذابح الهمجية التي تقوم بها المجموعات المسلحة السوداء ضد المدنيين العزّل الذين يُقتَلون على الهوية في عدة محافظات سورية.
الأجندة الخليجية التركية الإخوانية المدعومة أمريكيا لتفجير سورية أصبحت واضحة للعيان. الخليج يريد من ذلك درء أخطار التغيير عن أقطاره, وتركيا تريد تحويل سورية إلى مستعمرة, والإخوان يريدون السلطة ولو في أجزاء من سورية مقسّمة والولايات المتحدة تريد استمرار سيطرتها وتحسين شروط إسرائيل اليهودية. على أنه ليس للأردن أي مصلحة في تلك الأجندة. وقد حان الوقت لكي تختطّ عمان سياسات ومبادرات تتفق مع مصالحها الاستراتيجية, واقتراحي هو تشكيل لجنة اتصال مع اللبنانيين والعراقيين, للتوصل إلى مخرج للأزمة السورية, يأخذ بالإعتبار الآتي:
(1) هنالك إرهاب في سورية. وبمعزل عن ملفات الأزمة السورية, فإن ملف الإرهاب منفصل ويتطلب معالجة منفصلة. إن قيام بؤر إرهابية دائمة ومتمكنة في سورية, سوف يشكل واقعا إقليميا جديدا يضرب الأمن الوطني للبنان والعراق والأردن. ولهذه البلدان مصلحة مباشرة بمساعدة السوريين على اجتثاث البؤر والمجموعات الإرهابية وتحييدها عن أي حل سياسي, على أن يكون الدعم المقدم لسورية في مجال مكافحة الإرهاب, مشروطا بوقف مسارات الحل الأمني ضد المعارضات السلمية,
(2) هنالك مبادرات إصلاحية في سورية لا يمكن تجاهلها.فمن المشاهَد أن وجود وتحرك قوى المعارضة السلمية, قد اصبح مشروعا في البلاد, وهناك اعتراف بالأحزاب, ولجنة وطنية لكتابة دستور جديد ورزمة أخرى من الإصلاحات السياسية والإقتصادية والاجتماعية. ومن الضروري تشجيع هذه المبادرات وتطويرها وجدولتها في خطة موقوتة بما يكفل التحول الديموقراطي السلمي والآمن,
(3) هنالك تأييد اجتماعي سياسي للنظام السوري يشتمل على ما لا يقل عن نصف السوريين. وهو واقع لا يمكن تجاهله, ويظهر بوضوح في المظاهرات الجماهيرية التي تشهدها دمشق والعديد من المدن السورية لرفض التدخل الخارجي في البلاد. إن النظام السوري ليس معزولا في الداخل, بحيث يغدو هدف إسقاطه جراحيا كما هو الحال في تونس ومصر, أو بحملة عسكرية سريعة كما في ليبيا ممكنا من دون إندلاع حرب أهلية واسعة ومديدة, سيكون لها امتداد في الإقليم كله. وهو ما يفرض مخرجا وحيدا للأزمة هو الحوار والمصالحة وتأمين التحول السلمي نحو ديموقراطية وطنية وتوافقية.
ynoon1@yahoo.com