03-12-2011 08:21 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
ليست الثورة وحدها من “تأكل” أبناءها، الدولة أيضا يمكن أن تفعل ذلك.
حين تبحث - مثلا - عن “رموز” وطنيين فلا تجدهم، أو حين تفتش عن قيم للنظافة والاستقامة فتستعصي عليك حيلة البحث أو العثور، وحين تتصفح وجوهاً كانت “تزن” بميزان الموالاة والتأييد ثم تنقلب فتقف في مقدمة صفوف المعارضة.. عندئذ يمكن أن تقول إن الدولة تأكل أبناءها، والأدهى ان يتحول هؤلاء “الضحايا” أحياناً الى “متهمين” بمحاولة افتراس الدولة.
حين تدقق في المشهد العام تتضح أمامك الصورة بشكل افضل، خذ مثلاً “كبار” الموظفين الذين وجدوا أنفسهم - بلا مبرر - خارج وظائفهم، وانسحبت منهم - فجأة - امتيازاتهم وغاب حضورهم، فيما بقي من هم أقل كفاءة منهم يصولون ويجولون، هؤلاء اكتشفوا ان الدولة “أكلتهم” ولم يعد لهم مكان فيها.
خذ - مثلا - آخر، الناس البسطاء الذين تعبوا من اجل خدمة بلدهم، والتزموا بواجباتهم، وضحوا بأعمالهم لتربية ابنائهم، وعاشوا على الرغيف “الحاف” ثم اكتشفوا أن المطلوب منهم اكثر من قدرتهم وأن “الفقر” عشعش في بيوتهم، وأن “ضريبة” صمودهم وصبرهم كانت باهظة وأن غيرهم قد أثرى بطرق غير مشروعة هؤلاء يكتشفون أيضا - ولو متأخرين - أن الدولة أكلتهم.
خذ - مثلاً - ثالثا الناس - مهما اختلفت طبقاتهم ومواقعهم - ممن اعتبر الوطن كل شيء، والتزم بقيم النظافة والاستقامة، ووقف خصماً للنفاق والمحسوبية، ولم يلوث يديه ضد مصلحة البلد ثم كانت النتيجة “حرمانه” من أي نصيب يستحقه، ونسيانه من أي “مولد” يقام للتكرم، هذا - ايضا - يشعر بأن الدولة أكلته.
يمكن ان تتساءل - ايضا - عن سر غياب “المجتمع” وعن اسباب استقالة “الناس” من السياسة وعن معنى ضعف المؤسسات والأحزاب، وعن جدوى تكسير “الوسائط” الاجتماعية والنخب الفاعلة والنزيهة، وعن نشوء طبقات جديدة من “الانتهازيين” وعن شيوع ثقافة “اكسب واهرب” وعن تراجع هيبة الدولة في عيون الناس، ستكتشف أن الدولة أكلت ابناءها.. ونسبت اليها ابناء جددا لم يخرجوا من رحمها للأسف.
حين تتجرد “الدولة” بفعل بعض الذين نزلوا بـ“البراشوت” على مفاصلها من دور “الأبوة” المفترض ان تمارسه مع أبنائها على ميزان العدالة والمساواة، تتحول الى “طرف” في النزاع، وهدف للعقوق والانتقام، وسبب للجنوح نحو العنف، ويجد الناس من حقهم البحث عن “ملاذات” أكثر أمناً يستندون اليها لحماية أنفسهم ومصالحهم.
من واجب الدولة ان “تحتضن” أبناءها، حتى وإن جنحوا أو أخطأوا أو زلت أقدامهم عن طريق الصواب، ومن حق هؤلاء ان يستشعروا أن هيبة دولتهم مستمدة من هيبتهم وكرامتهم ومن قيمة العدالة التي يتوحد أمامها الجميع دون استثناء..
اذا شئت ان تفهم ما حدث للناس، وان تعرف ماذا يريد الناس، وان تفك “ألغاز” ما تراه في المشهد العام، من مواقع المسؤولية الى الشارع، ومن الطالب في مدرسته الى الحزبي في حزبه والوزير في وزارته.. فما عليك الا ان تفتش في “معادلة” الدولة.. هذه التي نحتاج اليوم لإعادة النظر فيها كي تصبح قائمة على أساس العدل والكرامة والمواطنة الحقة والمسؤولية.. وكيلا تتحول الى مجرد قوانين عرجاء.. أو أمن غليظ أو سلطة تتحرك عند الطلب، أو دائرة ضريبية أو بحر عميق لا يترك فيه “الحيتان” مكاناً لبقاء سمكة واحدة.