05-12-2011 08:26 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
لم يكن وصول الاسلاميين الى الحكم في تونس والمغرب واقترابهم في مصر من انتزاع اغلبية في البرلمان مفاجأة، ولم يكن –ايضا- حدثا معاكسا لاتجاه الثورات التي انطلقت هناك، فالدين كان حاضرا –وبقوة- في كل الميادين التي اعتصم فيها الناس احتجاجا على الانظمة والتدين –بمختلف انماطه- كان “فاعلا” في ايقاظ شعلة “التغيير” داخل الشعوب التي عانت طويلا من الظلم والاستبداد.
على مدى العقود الماضية حاولت الانظمة السياسية انتاج انماط محددة من التدين لترسيخ شرعيتها، وتكريس همينة المؤسسة الدينية الرسمية لمواجهة حالة التدين الثقافي والسياسي واغراق الافراد واشغالهم في قضايا الايمان الفردي والاخلاص والطاعة وتراشق فتاوى التكفير والتخويف من العنف والارهاب لكن يبدو ان محاولات اختزال “فكرة” الدين في انماط استهلاكية او شخصية او اجرائية لم تنجح مما اتاح للناس –اولا- ان يعبروا عن تدينهم بوسائل جديدة تتناسب مع فهمهم للدين من جهة ومع حاجاتهم الى الحرية والكرامة والحياة الفضلى التي حرموا منها، ومما اتاح –ثانيا- للحركات الاسلامية ان تملأ الفراغة بخطاب اكثر تأثيرا واقناعا للناس من خطاب الدين الرسمي.
حين قرر المجتمع ان يستعيد عافيته لم يجد امامه سوى “الدين” لكي يستعين به، ومن هنا كانت “التربة” التي خرجت منها كل الثورات العربية وكل حركات “التغيير والاصلاح “ تربة “دينية” بامتياز، الرموز التي اشعلت الهتافات والمساجد التي خرجت منها الاحتجاجات والقيم التي رفعت في الشعارات و”الشهادة” التي ظلت حاضرة في وعي “الثوار” كلها كانت تعبر عن الوازع الديني الذي حرك الناس حتى من غير المتدينين للنزول الى الميادين والمطالبة بالتغيير.
لماذا حدث ذلك؟ لديّ اسباب عديدة منها ان الانسان العربي “متدين” بطبعه، وان الدين يشكل الباعث الاساسي لحركته، وان لديه قناعة راسخة بان طريق استرداده لهويته وكرامته يمر “بالضرورة” من خلال “الدين” كما ان الرد على الانظمة التي استلبته حقوقه وغربته عن جوهره وعلى الآخر الاجنبي الذي “اهانه” واراد ان يلحقه به.. لن يكون مؤثرا الا اذا استند الى حقيقة واحدة وهي استدعاء “حالة الامة” التي يشكل الدين اساسا “لعافيتها” وباعثا على وحدتها ودليلا على مدى قدرتها على استئناف مشروعها الانساني وتقديم تجربتها بلا خوف ولا تنازل وبدون شعور بالدونية.
اذن، اذا كانت الثورات العربية قد خرجت من مهاد ديني “لاحظ ان ثمة فرقا جوهريا بين الدين والتدين” واذا كانت الشعوب هي التي صنعتها فان انحياز الناس الى الاسلاميين باعتبارهم يمثلون “من وجهة نظرهم” “التدين” الذي ظل ممنوعا ومضطهدا وبعيدا عن الحكم وعن الفساد يبدو خيارا مفهوما، ومع اننا لا نريد ان نسأل فيما اذا كان هذا الخيار صحيحا ام لا، وفيما اذا كان يعبر عن افلاس تجارب الاخرين مقابل الرغبة في “تجريب” الاسلاميين، او عن الشوق الذي يراود الانسان العربي لاستعادة “نسخة” من تاريخه البعيد، فان المهم هنا هو احترام “ارادة” الناس وتقدير اختياراتهم مهما كانت ما دام انها عبرت عن نفسها بوسائل مشروعة ونظيفة، والاهم من ذلك هو الاعتراف بان “تاريخا” جديدا قد بدأ في عالمنا العربي وهذا التاريخ تكتبه الشعوب ويتوافق مع هويتها ومرجعيتها وسواء كان الاسلاميون ابرز الفاعلين فيه او كان غيرهم فانه يبقى حلقة من حلقات طويلة تحتاج لمزيد من الفهم والتوافق والبناء لا الى التناوش والصراع والهدم.
يبقى نقطة اخيرى هي ان ما حدث في “الميادين” العربية صبت بشكل او بآخر في “صناديق” الانتخابات وارجو هنا ان نتذكر مشاهد الحضور الديني (بكل رموزه وانماطه ورغبات الناس التي عبّرت عنه) لكي نفهم حقيقة النتائج التي افرزتها صناديق الانتخابات ولكي لا نصدق ما يقال عن تهم عن “اختطاف” الثورات وعقد الصفقات وخيارات الناس البسطاء وغيرها من مقولات الذين اكتشفوا وزنهم في الشارع فبادروا الى “شيطنة” الاخرين واشهار فزاعات التخويف من “الاسلاميين” القادمين الى الحكم.