08-12-2011 08:00 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
حدث لديّ لبس فيما إذا كان ناصر جودة وزيرا لخارجيتنا أم مندوبا عن مجلس التعاون الخليجي يلتقي أعيان الأردن,مفسرا ومبررا التصريحات السلبية التي أدلى بها مسؤولون خليجيون حول انضمام المملكة إلى المجلس المذكور. هذه, بالطبع, ليست مهمة وزير الخارجية الأردنية, بل مهمة أصحاب التصريحات أنفسهم. وقد شعرت كأردني بالإهانة مرتين, لدى قراءة تلك التصريحات, ولدى تطوّع جودة بتوضيحها.
كرامة الأردن والأردنيين فوق كل اعتبار. هذا ليس مجرد إنشاء عاطفي, بل هي الحقيقة السياسية الوحيدة في بلدنا اليوم حيث تتصاعد الوطنية الأردنية, وتفرض نفسها بوصفها القوة الرئيسية في الأردن في الحسابات المحلية والإقليمية والدولية. ومن الآن فصاعدا فإنه ينبغي على السياسة الأردنية الرسمية أن تعبّر عن ذلك الصعود الوطني وننتهي من نهج التبعية والاستجداء.
أزمتنا الاقتصادية لا حل لها إلا بإعادة تدوير ماكنة القطاع العام والعدالة الاجتماعية واسترداد الثروات المنهوبة وإعادة توزيع الثروة من خلال قانون الضريبة التصاعدية على الدخل. وفي ظل التصحيح الداخلي, فإن الأردني مستعدّ لتحمّل المشاق المعيشية على أن تكون كرامته وكرامة وطنه محفوظة وسياساته الخارجية انعكاسا لوجدانه وعزته.
أعضاء شبكة الفساد والكمبرادور والمستفيدين من سستم الإثراء,هم الذين يلحون على وضع الأردن في خط السياسات التبعية والاستجدائية. وقد آن الأوان كي ننتهي من تلك الفئات وتلك السياسات معا. وهذه مهمة مطروحة الآن ليس فقط لإنقاذ البلد وإنما أيضا لمصلحة النظام السياسي الذي لن يفيده الأمريكيون ولا دول الخليج على المستوى الخارجي ولا الكمبرادور على المستوى الداخلي, ولكن ما يعصمه هو استناده إلى حركة وطنية فاعلة. ولذلك, لا مناص من ترجمة هذه الحركة وبرنامجها وطموحاتها إلى سياسات.
يقول جودة في معرض تبريره لتصريحات المسؤولين الخليجيين إنها لا تعني رفض الأردن بل تعني التدرج في عملية انضمامه إلى النادي الخليجي. وهو تبرير بلا قيمة إلا إذا صدر عن أولئك المسؤولين الخليجيين أنفسهم. فالتصريحات واضحة كليا. وهي تعكس جملة من المواقف المعروفة والمتداولة. فالقطريون الذين ينفذون أجندة دولية في الإقليم لن يسمحوا بانضمام الأردن إلى " التعاون الخليجي" إلا بالحصول على ثمن سياسي ( من الشراكة مع حماس داخل الأردن إلى التدخل في سورية). ولا يمكننا أن ندفع هكذا ثمنا كونه مهينا وكونه يتعارض مع أمننا الوطني, بينما تخشى "الإمارات" من أن يتحوّل الأردن - بإقتصاده المتعثر - إلى يونان الإتحاد الأوروبي, في حين أن الموقف التقليدي السلبي للسياسة الكويتية نحو الأردن ما يزال ثابتا في العمق. مسقط غير متحمسة والبحرين غير مؤثرة. أما حليفتنا الرئيسية في " التعاون الخليجي", أي السعودية, فإن اهتمامها ينصب اليوم على بيتها الداخلي.
فكرة انضمام الأردن إلى النادي الخليجي, بالأساس, فكرة غير واقعية من كل النواحي. فالأردن غير النفطي, بأزمته الاقتصادية المتفاقمة, لا يتسق مع الاقتصادات الخليجية. ومن الناحية الاجتماعية والثقافية والاستراتيجية, ينتمي الأردن إلى الدائرة الشامية - العراقية, ولا فكاك له منها. فهذا النوع من الإنتماءات لا يُصنَع بقرار بل هو نتيجة دكتاتورية الجغرافيا وحتمية التاريخ.
الفكرة طُرحتْ في سياق سياسي مؤقت, وانطلاقا من اكتشاف السعودية لأزمة الخليج الأمنية في البحرين. ونحن لا نريد هذا الدور الذي يسيء لصورتنا وكرامتنا ومكانتنا الإقليمية, ويتعارض, على المدى المتوسط, مع أمننا الوطني, ليس فقط لأنه يجلب الانتقام, بل, وأساسا, لأننا سنكون قريبا بحاجة إلى كل رجل وكل قطعة سلاح للدفاع عن وطننا في مواجهة أخطار يعج بها الإقليم.
لا يعني ذلك كله أننا نقترح تخفيض مستوى العلاقات مع الخليج. بالعكس, نحن نحتاج إلى تعزيز تلك العلاقات على نحو ثنائي. الثنائية سوف تخرجنا من دائرة السجال الحاصل بسبب مشروع انضمامنا الى " التعاون الخليجي", وستحرر علاقاتنا مع الدول الخليجية - فرادى - من هيمنة الدوحة, وتعطينا حرية الحركة على المستويين العربي والإقليمي. والأهم من ذلك, ان النهج الثنائي يمكننا, كالعادة, من الإستفادة من العلاقات مع مركز الخليج السعودي من دون أن يضطرنا لخسارة ما لا تعادله كل كنوز الدنيا , ذاتيتنا الوطنية وانتماؤنا الاجتماعي الثقافي الى دائرتنا الهلالية.
وفي كل الأحوال, لسنا نريد, بعد اليوم, أية علاقات - مع كائن من كان و مهما كانت فوائدها- لا تقوم على الندية والاحترام المتبادل, ولا تحفظ هويتنا وكرامتنا واستقلال قرارنا الوطني.
ynoon1@yahoo.com