08-12-2011 08:08 AM
كل الاردن -
سميح المعايطة
تقديم الحقائق + إدارة سياسية موثوقة + وقف التشكيك وعدم الاعتماد على الإشاعات .. كل هذا يعطينا القدرة على «تبييض كل الملفات»
نحن في يوم عالمي لمكافحة الفساد والذي أصبح آفة عالمية, لكنه بالنسبة لدول كثيرة ومنها الأردن ملف سياسي قبل أن يكون ملفاً قضائياً, وأصبح « استخدام « هذا الملف من أطراف سياسية بطرق لا تخدم أحياناً الحرب الفاعلة والمنتجة على الفساد بقدر ما تعبر عن حرص على المال العام أحياناً أو لإدانة نهج اقتصادي أو ضمن سياق تحرك وضغط سياسي, لكن الفساد أصبح عدواً للاستقرار السياسي وعنصراً ضاغطاً حتى على المسار القانون والسليم لأي مسؤول.
نحن في الأردن لدينا عدد من الملفات التي ما زالت محل حديث في المجالس أو الحياة السياسية والإعلامية, وهناك تساؤلات كبيرة ازداد دورها وأثرها السياسي في المرحلة السياسية الحالية, وهي ملفات ارتبطت بالخصخصة للمشاريع الكبرى مثل الاتصالات ورخصة أمنية والبوتاس والفوسفات وأراضي العبدلي وملف موارد, وما هو مؤكد أن وجود هذه الأسماء للملفات لا يعني بالضرورة أنها ملفات فاسدة لكنها محل حديث.
وجزء من الحراك في بلادنا قائم في منطقه ومواقفه على قصص وحكايات وملفات يرى أصحابها أنها تحمل بذور فساد أو (اشجار) اعتداء على المال العام, والحراك الذي اقصده ليس فقط من يخرجون في مسيرات لكنني أتحدث عن أحاديث في مجالس قبل سنوات من أي حراك, لكنها لم تجد حتى الآن تعاملاً سياسياً وإعلامياً وإدارياً جذرياً يقدم للمواطن الأردني ما يجعله يقطع الشك باليقين.
والنموذج الأخير في الإعلان عن تفاصيل الأراضي التي تم تسجيلها باسم الملك من أراضي الدولة كان واحداً من القصص التي مست رمز الدولة, وكان استمرار الحديث فيها دون رد نوعاً من نقض علاقة الأردني مع رمز الدولة ومرجعيتها الوطنية والسياسية, وأعتقد أن جزءاً من الذين قادوا الحديث كانوا يفعلون غيرةً وحباً للملك لكن البعض كان يقصد أن يشكك الأردني بمؤسسة الحكم ويرسم لها صورة قاتمة قائمة على الفساد ونهب المال العام, لكن ما جرى من توضيح ووضع الحقائق أمام الناس يفترض انه أغلق الملف عند كل منصف وباحث عن الحقيقة.
وإذا كان من إنجاز تحققه الدولة في هذه المرحلة المتحركة وغير العادية فإنه يتم ليس فقط في خطوات الإصلاح السياسي بل أيضاً في إغلاق كل الملفات وطي صفحة كل الشكوك التي طالت ملفات اقتصادية عديدة, وهي اليوم في ذهن فئات منا ملفات فساد وسرقة وبيع للمقدرات, وقد يكون فيها فساد وقد تكون بيضاء خالية من أي شائبة, لكن الحسم يحتاج إلى معالجة سياسية رفيعة جريئة وسريعة, قاعدتها الأساسية المكاشفة ووضع كل الحقائق أمام الأردنيين, ومن يثبت تورطه فليكن عقابه أمام القضاء وما لا يثبت فيه أي خلل فإننا نكون قد كسبنا ثقة الناس وأزلنا الشك وحرمنا من له أهداف سياسية قائمة على التشكيك من أسلحة يستعملها.
الأردن أهم من كل الأشخاص, ولا يجوز أن ندفع من استقرار الدولة أو ثبات مؤسساتها ثمناً لحماية أي شخص, وأمامنا فرصة « لتبييض» كل الملفات من خلال لجان قضائية تقدم المعلومات للناس بكل التفاصيل وعلى شاشة التلفزيون, ويمكن لمجلس النواب المساهمة في هذا, ولنفتح الملفات واحداً تلو الآخر, ونعلن كل التفاصيل, وتكون الأرقام الموثقة حاضرةً حول بيع حصة الحكومة في البوتاس والفوسفات وأراضي العبدلي وملف موارد..., فلماذا نبقي البعض يعتقد أن خصخصة الاتصالات كانت ضد مصلحة الدولة وتآمراً على مقدراتها إذا كان الأمر غير ذلك, ولماذا لا نقول للناس كل شيء, لنغلق أبواب السوق السوداء للمعلومات الموجهة أو غير المكتملة؟ وحتى لو كان في أي ملف شبهة فساد من أي نوع فليذهب الفاسد إلى الجحيم لا أن يدفع الأردن ثمن فعلته وترفه بأموال الناس.
الخصخصة ونقيضها
وهنا من الضروري الإشارة إلى أن هناك من يقبل بالخصخصة كنهج اقتصادي ويؤمن بها, وهناك من يرفض هذا النهج وهذا الخلاف ليس فساداً أو سرقة مال عام, فالخصخصة ليست رجساً من عمل الشيطان بل نهج اقتصادي قد يقبله البعض ويرفضه البعض, لكن ما لا يقبله أحد هو الفساد سواءً كان في مشاريع خصخصة أو في نهج مناقض لها لأن الفساد لا هوية فكرية له بل هو هوية أخلاقية موجودة لدى كل المعسكرات الفكرية والسياسية المتجانسة أو المتناقضة.
« تبييض كل الملفات» لم يعد أمراً اختيارياً بل ضرورة سياسية, وربما لو قدمنا للناس التفاصيل والمعلومة الصادقة بطريقة علمية مقنعة فإن ما يتم تداوله على أنه ملفات فساد قد يكون قصص نجاح نقدم الشكر لمن أدارها, وكما قلت فإن بعض الملفات والمشاريع قد نكتشف أيضاً أنها نماذج فاشلة يجب على من أداروها بهذا الشكل أن يدفعوا الثمن.
وقف التشكيك
وعلى الجانب الآخر من الصورة فإن الإنصاف يقتضي من أي طرف أن لا يمارس الجرأة في الاتهام والتشكيك دون أدلة أو معلومات موثقة, لأنه لا يجوز المغامرة بسمعة وكرامة مؤسسات ودولة على أساس حكايات ربما يكون بعضها ناتج عن مناكفات أهل السياسة وصراع تبدل النفوذ بين الأشخاص والمجموعات.
وهنا ليس المقصود السكوت على الأخطاء المؤكدة بل عدم تحويل «الحكي» إلى اتهامات يكون ثمنها تخريب علاقة الاردني مع الدولة, وأن لا نسلم آذاننا لأقاويل دون تحقق ثم نبني عليها مواقف سياسية تكون محصلتها تقديم الأردن وكأنه دولة لصوص وتجار بأموال الناس, وهذا نظلم فيه كل الأجيال من المسؤولين والمواطنين الذين بنوا وقدموا وصنعوا هذا البلد الذي نعتز به جميعا
تقديم الحقائق + منطق وإدارة سياسية + إدارة موثوقة + وقف التشكيك وعدم الاعتماد على الإشاعات .. كل هذا يعطينا القدرة على «تبييض كل الملفات « التي يتم الحديث فيها منذ سنوات.