11-12-2011 08:25 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
ترتبط عاشوراء في الذاكرة الاسلامية برمزين، احدهما: سقوط الطغاة وانتصار الدم على السيف والتضحية من اجل المبدأ والكرامة والهدف، والآخر انتصار الحق ونجاح اصحابه والاعتماد على الله تعالى في دحر الغزاة والظالمين.
عاشوراء هذه المرة كان لها معنى اخر،فقد انطلقت الشعوب العربية الى الميادين؛ لكي تستعيد كرامتها وترفض(السلة والذلة) وتسقط الظلم والاستبداد، وهو مشهد يذكرنا بحدثين في التاريخ، يتزامنان (يا للمصادفة) معا؛ احدهما نجاة سيدنا موسى وغرق آل فرعون والاخراستشهاد الحسين ورضيعه في اسوأ مواجهة عاشها المسلمون، ومع ان صور الاحتفاء بذكرى المناسبتين قد اختلفت تبعا للفهومات الدينية والتاريخية لدى اصحاب المذاهب الاسلامية (اخواننا الشيعة عادوا الى عام 61 للهجرة الذي استشهد فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما، وأعادوا قراءة المقتل وممارسة الندب واللطم ورواية سيرة الشهيد في الحسينيات والتجمعات الشيعية واخواننا السنة احيوا المناسبة بالصيام شكرا لله تعالى الذي نجى سيدنا موسى عليه السلام وقومه من آل فرعون، كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم) الا انهما يجتمعان على ارضية واحدة تختزل مفهوم انتصار الحق على الباطل، والمظلوم على الظالم، والكرامة على الذلة، والصبر على الخوف، والقلة المؤمنة على الكثرة الطاغية.
لا ادري اذا كان السيد حسن نصرالله انتبه الى هذا التزامن وهو يستذكر سيدنا الحسين وثورات الشعوب العربية التي “استلهمت” هذا النموذج، صحيح ان “السيد” قد اشهر فيما مضى تأييده لكل هذه “الثورات” لكن حين التفت الى “الثورة” السورية تغير تماما، و”جدّف” عكس التيار، ولم ير فيما يحدث سوى “مؤامرة” تستهدف اقامة “نظام عربي للخيانة” فيما الدماء التي تسيل كل يوم لا تستحق اي اهتمام، وفيما صرخات “هيهات منا الذلة” التي انطلقت لم تمسّ اسماع “السيد” ولم تذكره بما قاله الحسين قبل نحو 1500 سنة وهو يرى طفله يذبح امامه.
تُرى، هل اخطأ السيد نصرالله حين انحاز لمنطق السياسة، بما تفرضه من مصالح وحسابات، وغضّ الطرف عن المبادىء التي اعاد علينا دروسها في ايام “عاشوراء”، هل يمكن “للايديولوجيا” ان ترى بعين واحدة وان تتكلم بلسانين وان تعطي “الضمير” فسحة للاجازة والاستجمام؟
لا يمكن لأحدنا ان يتجاوز المقارنة بين مشهدين: مشهد “عاشوراء” البعيد بما يحمله من ثورة ضد الظلم والاستبداد ومن “محنة” الاقلية وهي تخرج للمطالبة بالحرية والشرعية ومن اصرار على “الموت” من اجل انتزاع العدالة والكرامة ومشهد “عاشوراء” الجديد في سوريا حيث يخرج الناس لانتزاع كرامتهم وردّ الظلم عنهم ومواجهة “جلاديهم” بالاصرار على انتصار “الدم” على السيف والضحية على الجلاد والحق على الباطل.
يمكن ان نفهم سياسيا موقف حزب الله من سوريا: النظام والثورة ويمكن ان نتفهم “مفارقات” المقاربة بين عاشوراء التي انتصر فيها الدم على السيف وعاشوراء الاخرى التي يريد السيد نصرالله ان تنتصر فيها “الوحدة” والممانعة على “المؤامرة” ومخاوف التقسيم والتدويل لكن ما لا نفهمه هو هذه “الجرأة” في الانحياز ضد “الدم” الذي يسيل وضد الشعب الذي يثور وضد المستقبل الذي يفترض ان تجري الحسابات له على قاعدة ما يقرره الشعب لا ما يقرره النظام وعلى اساس ان مصلحة “الحزب” لا تختزل في شخص وانما في “بلد” وفي “مبادىء” لا مجرد مصالح وفي مشروع عابر للانظمة وقائم دائما على ارادة الناس وخياراتهم.
كان يمكن لحزب الله ان “يصمت” كما فعلت حماس وان يترك للسوريين ان يقرروا ما يريدونه او ان يكون “وسيطا” نزيها لمساعدة سوريا لكي تتجاوز ازمتها لكنه اختار موقفا آخر لا نعتقد انه في مصلحته على المدى البعيد ولا في مصلحة السوريين الذين كانوا اول من “احتضن” المقاومة واول من ساندها في مواجهة العدوان الاسرائيلي.
كان يمكن ايضا لعاشوراء ان ترشد حزب الله الموقوف على “موازين” عادلة ازاء الثورات العربية وازاء صراع “السيف والدم” الذي يتكرر وازاء حتمية انتصار “الفكرة” مهما استبد خصومها في استئصالها لكن ذلك لم يحدث وهو ما يجعلنا نشعر بالخيبة.