13-12-2011 07:53 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
هاتفني صديق من موقع اعتصام الحجايا في سدّ السلطاني, قال: تمنّيتكَ هنا! بيوت على ست وسائط وحطب ونار تقيد في النقرات وفي الصدور وزلم ملصّمة وزلم تظهر وجوهها الشاحبة بمعاناة الفقر والمشرّبة بسمرة الكرامة والعزة والشموخ, وعِبِي وفِرِي وتِتِن وأصوات منغّمة مشحونة وعيون لها نظرة الصقر وشباب منغرسون في تراب الأرض كالصخور!
أرى, بعين القلب, المشهد الطالع من قصيدة لتيسير سبول, من رواية لغالب هلسا, من الرواية الأردنية التي تكتمل فصولا في ثورة المستضعَفين. لسوء الحظ, ليس بإمكاني الذهاب تواً إلى سدّ السلطاني, لكنني متضامن, بلا لبس, مع عشائر الحجايا, وأراني فخورا بشعبي, فالذي يتشبث بالنواجذ بحقه في مُلكيّة أرضه المستَلبَة من قبل الكمبرادور, لن يفرّط فيها لعدوّ كائنا ما كان جبروته. وأراني فخورا بستة عشر معتقلا من الحجايا, يكتشفون, لأول مرة, فضاء الكفاح المجتمعي السياسي. من هؤلاء, ستتخرّج كوادر جديدة للحركة الوطنية الأردنية; الحركة صاعدة والشعب يستردّ وطنه.
من الحجايا مَن لا يسكن بيتا ولا مرقد عنزة في بادية ممتدة, تم تفويض آلاف الدونمات منها لشركات ومتنفذين من كل حدب وصوب, ولم تعد هذه " الاستثمارات" على اصحاب الأرض المسلوبة إلا بالفقر والبطالة والتلوّث.
يتساءل أحد شباب الحجايا : قنابل الغاز? الدرك? العنف المسلح? ومداهمة المنازل و الاعتقالات? لِمَ? ألأنّ الحجايا قرروا استرداد أراضيهم? نحن أهل قتال, فهل يظنون أننا لا نملك القدرة على الرد? كلا .. ولكنها دولتنا...وهؤلاء الدرك أبناؤنا .. ومكانهم ليس الانتشار في القطرانة, بل في مرابع المتآمرين واللصوص!
حسنا ..أهي دولة الشعب أم دولة الكمبرادور? سؤال الأسئلة المطروح على أجندة السياسة الأردنية اليوم... فهل ناقشه عون الخصاونة مع حلفائه في حركة الإخوان? كلاهما خارج المعادلة, يتحركان على هامش اللا¯ حدث, أما الحدث, فتصنعه العشائر التي استيقظت بعد عقد النيوليبرالية, لتجد أنها ضيّعت وطنا, وقررت أن تستردّه.
حكاية العشائر الأردنية والأرض, حكاية الدمّ... فكل شبر من التراب, حددته سنابك الخيل والبارود في الصراع النبيل من أجل الحياة في بيئة قاسية انتزع أجدادنا منها الرغيف والزبد بالدم والعرق. فمن أعطى الحق لإدارة البزنس السياسي وللنفوذ وللقوانين المؤقتة لما يسمى " تشجيع الاستثمار", بتفويض أراضي الأردنيين للكمبرادور والمتنفذين والألعباتيّة.. وحرمان أهلها الشرعيين منها.
هنا السؤال ... وهنا القضية!
فسيادة وهيبة الدولة لا تهتزّان بقطع طريق وتمرّد عشيرة, ولا يستردهما الدرك والقمع والاعتقال أو حل المشاكل بالقطعة. سيادة الدولة وهيبتها تفككتا منذ تمكنت الخلية النيوليبرالية المتصهينة من القرار, واستباحت المؤسسات والموارد ومنها الأرض.
وقبل السؤال عن سيادة الدولة وهيبتها, هنالك السؤال هي دولة مين?
لا دولة في الأردن إلا تلك التي تعبّر عن العشائر ووجودها السياسي -المجتمعي ومصالحها وحقوقها التاريخية وهويتها الوطنية. وسوى ذلك ليس ثمة إلا الفوضى التي لا علاج لها. أعني أن الدولة الليبرالية الكمبرادورية ¯ تحت شعار حداثوي أو إسلاموي ¯ غير ممكنة, موضوعيا, في الأردن, ذلك أنه ليس لها سند مجتمعي ولا عصبيّة. ولا دولة من دون سند مجتمعي أو عصبية. وفي الأردن العصبية الوحيدة التي يمكن أن تنهض بالدولة وسيادتها وهيبتها هي عصبية العشائر. وهذه العصبية رابطها مجتمعي ولا يمكن استيعابها إلا بالقطاع العام الاقتصادي وبوضع الأطر القانونية المطابقة للحقوق المجتمعية والاقتصادية المحددة في عرف غير مكتوب .. ولكنه راسخ.
معركة الأرض مفتوحة اليوم على احتمالات الانفجار الاجتماعي الوطني بين أصحابها الشرعيين وبين المستثمرين والمتنفذين ... وما تزال السلطات تتعامل مع هذه المعركة بالقطعة, فلا تلحق أن تطفئ بؤرة مشتعلة هنا, حتى تشبّ بؤرة أكثر اشتعالا هناك. ولئلا تأتي هذه المعركة على آخر ما بقي من هيبة الدولة, لا مناص من حل شامل لمشكلة الأراضي, حل يقوم على ثلاثة أسس, هي :
أولا, إلغاء كل القوانين والتعليمات التي تسمح بتفويض الأراضي لمستثمرين أو سواهم, وإعادة كل الأراضي التي تم تفويضها أو تسجيلها أو استملاكها لغير غايات المنفعة المدنية من دون استثناء, وفيما يتصل بالأراضي التي تم بيعها ينبغي الكشف عن العقود والتحقيق في احتمالات الفساد واستعادة الأموال والتعويض على المتضررين.
ثانيا, تشكيل لجنة مفوّضة لإنهاء جميع المطالبات العشائرية بتسجيل الأراضي في إطار جدول زمني.
ثالثا, المعالجة السياسية للاحتجاجات ووقف الخيار الأمني فورا.
ynoon1@yahoo.com