21-12-2011 08:32 AM
كل الاردن -
سميح المعايطة
مادة تحليلية هامة وعميقة وموضوعية تلك التي يقدمها الكاتب والمفكر المصري السيد ياسين على صفحات الرأي من خلال مقالاته الدورية، ولعل من المفيد جداً لكل مهتم بالربيع العربي أن يتوقف طويلاً عند هذه السلسلة من التحليلات الموضوعية للكاتب العربي، وهو من الأشخاص الذين كانوا منحازين للتغيير وداعمين له فكرياً وإعلامياً.
وخلال منتدى دولي عُقد مؤخراً التقيت بأحد الكتاب المصريين، وكان هذا بعد بدء المرحلة الثانية من الانتخابات المصرية، لكن هذا الكاتب القادم من معسكر الثورة ورفض كل ما كان في النظام السابق بل ومنحاز للتيار الإسلامي وجزء من المعارضة تجاوز في حديثه الشأن السياسي إلى الشأن الاقتصادي، ربما لشعور فئات من أهل الفكر هناك أن كارثة اقتصادية قد تلحق بمصر في غمرة انشغال الجميع بالشأن السياسي والثوري وصراع الانتخابات.
ومما يلفت الانتباه ما قاله الزميل الشقيق أن احتياطي العملات الأجنبية في مصر كان حوالي «36» مليار دولار، لكنها انخفضت خلال هذا العام إلى النصف تقريباً لتصل إلى حوالي «18 مليار دولار»، وهذه الاحتياطيات هامة لغايات الاستيراد، وأن استمرار الوضع الحالي قد يصل بمصر إلى أن تكون عاجزة عن دفع التزاماتها المالية وتأمين العملة الصعبة لاستيراد المواد الأساسية.
وعلى سبيل المثال فإن مصر تستورد الغاز المنزلي وهو مختلف عن الغاز الذي نستورده منها للطاقة وأن أسطوانة الغاز تباع للمواطن لكن فاتورة الاستيراد تصل إلى عدة مليارات وأن الخبز أيضاً عبء على العملة الصعبة لأن القمح مادة مستوردة أيضاً فضلاً عن سلع أخرى.
الاستيراد ليس جديداً لكن الجديد هو توقف عجلة الإنتاج وتراجع إيرادات الدولة سواء من التصدير أو السياحة التي تمثل لمصر مصدراً استراتيجياً للاقتصاد والعملة الصعبة.
وبعيداً عن الاقتصاد فإن من أهم ما سمعته من الشقيق المصري «أن جميع الفئات تطلب»، وهناك شهية واسعة لكل القطاعات لطلب زيادات مالية أو امتيازات، وقد تكون مطالب تراكمت خلال عقود مضت، لكن لا أحد يسأل هل يمكن للدولة أن تحقق كل هذه المطالب ومن أين ستأتي بالأموال في ظل تراجع عجلة الاقتصاد، وكأن البعض يعتقد أن رحيل نظام مبارك فتح على الدولة خزائن المال والموارد، رغم أن الواقع أن الأمور عكس ذلك لأن كل مراحل التغيير تتبعها حالات من عدم الاتزان.
ويضيف بأن هناك مسيرات تطالب بتشغيل العاطلين عن العمل، وهو مطلب مشروع نظرياً لكن في بلد مثل مصر فإن 25% من الناس بلا عمل فمن هي الجهة القادرة على تشغيل كل هذه الملايين وأين ومن أين ستؤمن لها الموارد لدفع رواتبها، أي أن الحاجة إلى خطاب راشد وناضج يقدم للناس الرأي وليس التنوير.
الذنب ليس ذنب الناس، لكن أي تغيير للنظام لا يعني عصاً سحرية، بل إن الإدارة الرديئة لمرحلة ما بعد الثورات ستزيد من الأعباء والمشكلات الاقتصادية، لأن كل يوم بلا إنتاج يعني عجزاً ومديونية وسوء معيشة.
وكما يقول ابن مصر فإنه حتى رجل الأمن لم يعد معنياً بمعاقبة أحد حتى لو كان مخالفاً للقانون ومعتدياً على حقوق الناس، لأن لديه اعتقادا أنه حتى لو عاقب مجرماً فسيجد عشرات الكاميرات التي تقدم المجرم على أنه ضحية للقمع وسيصبح الشرطي عدواً لحقوق الإنسان وليس حامياً لحق الناس في حياة طبيعية.
ما سبق لا يعني أن ما كان في العهد السابق أفضل لكن يفتح الباب أمام قدرة كل دولة وشعب على إدارة المراحل التي تتبع التغيير الكبير لأنها قد تكون أحياناً أصعب من التغيير.
أما الجانب السياسي الهام فيما قال فهو أن كثيراً من الناس والقوى انحازت للحياة الطبيعية بعدما دارت عجلة الحياة السياسية من خلال إجراء الانتخابات، أي إن إجراء الانتخابات كان بداية لحياة سياسية تجسد ثمار الثورة، ولهذا فإننا في الأردن نحتاج إلى إعطاء الأولوية لإنجاز عمليات الانتخابات بأسرع وقت ممكن لأنها تجسد ثمار الإصلاح وتدخل بالجميع إلى المؤسسات إلا من كان الشارع هدفا له وليس غاية.