22-12-2011 08:08 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
المشكلة ليست في انقطاع “مطر” الاصلاح وتأخر موسمه بهذا الشكل المفزع، وانما في الاصرار على مكافحة “الاصلاح” واقناعنا باننا لا نستحقه، وبالتالي الاستمرار في عرض افلام “الابيض والاسود” التي كنا نعتقد بأننا “ودعنا” موضتها من زمان.
منذ أن انطلق قطار “الثورات” العربية كنا ندرك تماماً بأن “التغيير” في بلادنا لن يأتي على جناح “البراق”، وبأن “الصبر” مطلوب لكي نتجنب اتهامات “حرق المراحل” – والبصل ايضاً -، وقد التزم الشارع الاردني بهذه الفضيلة، وبدا “أعقل” من كثيرين ما زالوا يرون في “الاصلاح” كارثة، وفي مطالب الناس ؟”تسعفاً” وسفاهة، لكن يبدو أن ما حصل كان مختلفاً تماماً، فبدل ان تتوقف التدخلات والتجاوزات في شؤوننا العامة زادت وتصاعدت، وبدل أن نبدأ بتبييض “الملفات” وتصفية الحسابات القديمة ووقف ما استفز الناس واغضبهم، استمر “المسلسل” كما كان، حلقة وراء حلقة، وبقي “الابطال” ذاتهم يتقافزون على المسرح، وحتى حين استبدل بعضهم، كان نسخة مطابقة تماماً لسلفه، وظل “المتفرجون” يصفقون كعادتهم.. لم يتغير أي شيء.
لا نريد الآن أن نذهب الى عناوين “الاصلاح” (دعك من التغيير)، ولكننا نريد ان يتوقف طابق “الفساد” وأن نبدأ مرحلة جديدة عن النزاهة والاستقامة، فلا يعقل ان نتحدث عن الاصلاح ونحن نمارس المحسوبية في التعيينات، و”الازدواجية” في المقررات، و”الفساد” في معالجة “الملفات”، لا يعقل أن نقدم للناس “ادّلة” جديدة على “الاصلاح” ونحن نعرف انها مغشوشة، وأنها تتناقض تماما مع بدهيات الاصلاح وأبجدياته.
انجاز الاصلاح الحقيقي يحتاج الى ثلاثة مراحل: أولاها أن يتوقف الفساد بأنواعه، وان “تجمّد” نشاطاته وأرصدته، وأن تبدأ المقررات والاجراءات عهداً جديداً لا شبهة فيه، وثانيها ان نفتح “ملفات” المراجعة والمساءلة، وننبش الماضي بكل تفاصيله، ونُظهر التربة التي اخطأنا في رعايتها، أما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة بناء الواقع الجديد، بناء الاصلاح الذي يفضي الى التغيير ويضمن عدم العودة الى الوراء.
نحن – للأسف – حتى الآن لم ننجز المرحلة الاولى، فالمسؤول في بلادنا لا يريد ان يرى او أن يسمع، لا يؤمن بالقطيعة مع ارث الماضي واخطائه، ولا يفكر بالخروج من “قمقم” الخطأ الذي وقع فيه غيره، أو أن يتحرر من عقلية “السلطة” التي تتعامل مع الناس بمنطق الاستعلاء والاستعداء والتدخل والاستهتار.
حين يتأخر “الاصلاح” أشعر بالخوف والحزن، لكن حين يتغير منطق “مكافحة” الاصلاح، وتستمر مسلسلات التجاوز والخطأ، ويبدع البعض في صناعة “الازمات”، ويستمرئ آخرون مواصلة “العبث” بالنواميس الوطنية، ويصرون على البقاء في “الزمن” الذي خرج الناس لفك حصاره الذي طوقهم منذ عقود.. حين يحدث ذلك اضع يدي على قلبي.. وتنتابني موجة من الفزع والريبة.. لدرجة انني اصدق ما يحدث.