26-12-2011 07:58 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
هل يخشى الاردنيون حقا من وصول الاسلاميين الى السلطة؟ يبدو هذا السؤال مشروعا في ضوء ثلاث حقائق: اولاها ما حدث في دول مثل مصر وتونس والمغرب حيث تمكن الاسلاميون من اجتياح صناديق الانتخابات وحازوا على اغلبية الاصوات فيما لم تحظ الاحزاب والقوى الاخرى “بالثقل” الشعبي الذي يتناسب مع نفوذها الاعلامي وسطوة خطابها السياسي، مما ولّد لدى اوساطنا السياسية قناعة بانتقال “عدوى” الانتصارات “الاسلامية” الى بلادنا، وبان اجراء اي انتخابات قادمة سيفضي الى حصول الاسلاميين على اغلبية مقاعد البرلمان وربما الى تشكيل الحكومة.. ورغم ان الاسلاميين لا يتبنون مثل هذا الطرح علنا الا ان حساباتهم السياسية –وهذا امر طبيعي- تصب في هذا الاتجاه.
اما الحقيقة الثانية فهي ان ثمة “تجييشا” واضحا ضد “الاسلاميين” وهو بالمناسبة ليس بجديد ولكنه تصاعد مؤخرا لاسباب مختلفة منها ما يتعلق بعلاقة الاسلاميين مع الحكومة الجديدة وما جرى من تبادل “لرسائل” التطمين بينهما وربما من “صفقات” لم تنضج حتى الآن، ومنها ما يتعلق بمواقف الاسلاميين مما يحدث في سوريا ومحاولات البعض تشويه هذا الموقف والحد من تأثيره لحسابات دعم النظام السوري وثمة اسباب اخرى تتعلق بمخاوف بعض القوى من “خيبة” حصادها الشعبي في صناديق الانتخابات، وبالتالي فهي تتعمد ممارسة هذا “التخويف” لاشغال الاسلاميين بأزمات داخلية واخرى مع القوى الشعبية والحكومة لتقليل “فرصهم” وتكسير نفوذهم ومحاولة شيطنتهم امام الجمهور.. ومع ان هذا “التجييش” يبدو مفهوما في سياق “الصراع” السياسي والتنافس على “ثقة” الناس الا انه يبدو خطيرا لسببين: احدهما انه يفتقد الى اخلاقيات العمل السياسي والنزاهة الوطنية، والآخر ان من يمارسه سواء أكان من “قوى الشد العكسي” والمتهمين في الفساد ام من اعضاء النخب التي لا وزن لها في الشارع ولا حظ لها من اصوات الناس، من يمارسه من الطرفين لا يقيم وزنا للمصلحة الوطنية ولا اي اعتبار “لسلامة” المجتمع وضرورات الاصلاح ولا –ايضا- لما قد تفضي اليه مثل هذه الاشتباكات من عنف وصدامات اجتماعية وتفتيت للحمة الوطنية.
الحقيقة الثالثة وهي ان ثمة من يعتقد –خاصة لدى اوساط القرار- بان الاسلاميين هم من يتصدر مشهد “الاحتجاجات” في الشارع وبان بيدهم مفتاح “الحل” وبالتالي فان التفاهم معهم سياسيا سيصب في حسابات “استيعاب” الحراك الشعبي او على الاقل سيمكن من ابقائه تحت “السيطرة”، ورغم تحفظناعلى هذا الاستنتاج نظرا لعمق التحولات التي تحدث في الشارع وحجم الوعي الذي استيقظ لدى اجيال جديدة خاصة في الاطراف وتمدد حالة الرفض والغضب الى المناطق “المهمشة” وسطوة “المناخات” الثورية التي تفرضها اللحظة على اي حسابات سياسية رغم ذلك فان هذا الاستنتاج وما يغذيه من اشارات اخرى داخلية وخارجية اصبح يسيطر على “الاسلاميين” انفسهم، واصبحوا بالتالي يتعاملون معه وكأنه حقيقة، وعليه يمكن ان نفهم ما يفكرون به تجاه “ملفات” الاصلاح وسقوفه، وتجاه اي تحالفات او تسويات مع الاطراف الاخرى، وهنا لا يجوز ان نتوقع بان الاسلاميين سيقبلون اي صفقة لا تعطيهم “النصيب” ذاته الذي حصل عليه “اخوانهم” في الدول الاخرى التي شهدت تغييرات سياسية او انتخابات برلمانية.
اذا اضفنا الى ذلك ملاحظة اخيرة وهي ان كل خطأ يرتكبه خصوم الاسلاميين ضدهم سيصب بلا شك لمصلحتهم وسيضيف الى رصيدهم الشعبي فان الاجابة عن سؤال خشية البعض وربما فزعهم من وصول الاسلاميين للسلطة يبدو مفهوما ومشروعا في آن، لكن في سياق اخر غير هذا السياق الذي تطالعنا به محاولات التخويف والتجييش والتشويه وربما الضرب واقصد هنا السياق “السياسي” الذي يفترض ان نتعامل معه بمنطق البحث والحوار والتفاهم منطق من تهمه مصلحة البلد لا من ينشغل بتكسير النواميس الوطنية ومنطق من يريد ان يعرف لماذا انحاز الناس “للاسلاميين” في الصناديق ولم ينحازوا اليه؟ ومنطق من يبحث عن “الشراكة” لا الصراع على السياسة وعلى البلد ايضا.
باختصار، وصول الاسلاميين الى السلطة لا يخيف الا الذين سيخسرون مواقعهم ونفوذهم او الاخرين الذين ستنكشف “اوراقهم” امام الناس، او اولئك الذين لا وزن لهم في الشارع اما الناس فيهمهم ان يصل من كان اهلا للمسؤولية ومؤتمنا عليها ايضا.