26-12-2011 08:07 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
يفخر أبناء عشائر بني حسن بأنها مليونية, وأظن أن في هذه التقديرات مبالغة, فعديد هذه القبيلة الكريمة يناهز النصف مليون, وهو رقم كبير بالنسبة للشعب الأردني الذي يناهز ستة ملايين. لكن الأهم أن قبيلة بني حسن هي الأكبر بين التجمعات القبلية الأردنية, وهي كانت جمعا من جموع حلف البلقا الذي يضم العدوان والسلطية وبلقاوية عمان وبلقاوية مادبا, ولكثرتهم سُمي جمع بني حسن بـ " جمع المدرسة".
تمتد أراضي حلف البلقا من زرقاء ماعين جنوبا إلى زرقاء شبيب شمالا, ومن الغور غربا إلى الفدين شرقا. و شغلت منازل بني حسن من ديرة البلقا التاريخية, كل مناطقها الشمالية الشرقية. وهي تتوزع اليوم على ثلاث محافظات هي الزرقاء وجرش والمفرق.
ويمثّل هذا التوزّع مجالا للقلق السياسي لعشائر بني حسن المهددة بتقلّص تمثيلها السياسي في حالة تغيير الدوائر الانتخابية القائمة. ولذلك, فإن المطالبات باعتماد دائرة المحافظة أو التوسع في الدائرة الوطنية, تثير هواجسها. لكن, تغيير نمط الإنتخاب داخل الدوائر القائمة بحيث يقترع الناخب بعدد المقاعد المخصصة لكل دائرة, هو تغيير مرحب به. أما الموقف من الدائرة الوطنية, فيرتبط بعدم المساس بمقاعد الدوائر القائمة وبحدود نسبة مقاعد الدائرة الوطنية إلى المجموع الكلي لأعضاء البرلمان.
ينظر الوعي الجمعي لعشائر بني حسن إلى الاقتراحات المتداولة لإصلاح النظام الانتخابي بريبة وانزعاج. ويعدّ اقتراح الإخوان المسلمين تحديدا القائم على المناصفة بين دوائر المحافظات والدائرة الوطنية, إذا ما تحقق, ضربة موجعة لحجم التمثيل السياسي لبني حسن.و لعل تراجع هذا التمثيل مقترنا بالأزمة الاقتصادية الاجتماعية المتفاقمة, ينذر بتهميش أكبر القبائل الأردنية. وهنا, نستطيع أن نضع اليد على مصدر من مصادر مناخ العداء للإخوان لدى القبيلة.
الوعي الوطني الاجتماعي تغلغل في عشائر بني حسن, كونه يركّز على أولويات الحفاظ على هوية الدولة ومكافحة الفساد والهدر وتنمية المحافظات والعدالة الاجتماعية. ويجد الوعي الجمعي لهذه العشائر أن إغفال الإخوان لهذه الأولويات, ورفضهم لقرار فك الارتباط وإلحاحهم على أولوية الإصلاح السياسي, هي مواقف مقلقة وتستهدفهم وطنيا وسياسيا واجتماعيا.
كيف حصل الإخوان, إذاً, على تأييد عناصر عشائرية ولو محدودة?
علينا ألا نستبعد أولا البعد الإيديولوجي, كذلك اختلاط برامج الإصلاح وعدم وضوح الفروق بينها وبطء التبلور التنظيمي للحركة الوطنية, لكن هنالك أيضا عناصر تأمل بالقفز عن شروط التمثيل السياسي المحلي من خلال الإنضواء في قائمة إخوانية على مستوى المملكة, وعناصر أخرى انخرطت او أنها ترغب بالإنخراط في شبكة المصالح الإخوانية. لكن الحالة الإخوانية في عشائر بني حسن تظل محدودة للغاية وغير قابلة للتوسع بسبب الوعي الجمعي بالمصالح الجماعية القبلية والوطنية.
لا يمكن تحقيق مشروع التغيير الديمقراطي الوطني الاجتماعي في بلدنا من دون أن تضع عشائر بني حسن ثقلها وراء هذا المشروع. ولذلك, فإن كل قوى الحراك الأردني ملزمة بالنظر إلى مصالح وهواجس هذه القبيلة الكبرى الممتدة على ثلاث محافظات, والإجابة عليها. وتقع على عاتق شباب الحراك من بني حسن مهمات جسيمة في بلورة برنامج سياسي تقدمي ووطني في آن, وبالتالي قادر على إقناع الأغلبية بجدواه.
أصبح التغيير ضرورة لا يمكن تجاوزها. لكن ينبغي أن يكون التغيير بنّاءً وملتزما إرادة الناس, لا مفروضا ببرامج تهبط من فوق, سواء من قبل النظام أم من قبل الأحزاب السياسية وأجنداتها.
إنه مثال واقعي شديد القسوة للمناضلين الوطنيين الديمقراطيين المنسرحين في الطوباويات; لن يدعم بنو حسن - وهذا حقهم ¯ إلا التغيير الديمقراطي الذي يزيد ولا ينقص حجم تمثيلهم السياسي, ويعزز حضورهم, ويمكنهم من الموارد والقرار حول تنمية ديرتهم. ثم انهم لن يحفلوا بكل ذلك إذا كان برنامج التغيير لا يحافظ على هويتهم الوطنية.
ونصيحتي للإخوان المسلمين - وهي نصيحة مخلصة من خصم سياسي - هي أن تهديدهم بحمل السلاح سيضعفهم ولن يقوّيهم, فالحاضنة الاجتماعية, وليس السلاح أو المال أو التنظيم, هي مصدر قوة أي حزب سياسي. و لا أمل للإخوان بين العشائر الأردنية إذا لم يحسموا موقفهم إيجابيا من الهوية الوطنية وفك الارتباط والمسألة الاجتماعية. وبغير ذلك, فإن مساعيهم للتمدد عشائريا ستظل تصطدم بالرفض, وقد تقود البلد إلى ما لا تُحمد عقباه.
ynoon1@yahoo.com