27-12-2011 07:48 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
حين تسأل: من يقف وراء العنف الذي اجتاح جامعاتنا؟ يأتيك الجواب سريعا: "أياد خفية" لا نعرفها، وحين نسأل من أين خرج هؤلاء "الشباب" الذين يشهرون أسلحتهم وحجارتهم في وجه " مسيرات" الإصلاح ورعاته، يقال لك على الفور: خرجوا من المجتمع ثم تسأل من يقف وراءهم ومن يغريهم بالتجاوز على القانون فلا تسمع إلا إجابات مبهمة.
في مصر –مثلا- ما زالت قصة "الطرف الثالث" الذي هاجم المحتجين في ميدان التحرير مجالا لـ "التندر" داخل المجتمع المصري، اذ لا يمكن لأحد ان يقبل رواية تقول إن "الشوارع" مسكونة بالعفاريت وإن هناك "أشباحا" تتحرك لإثارة الفتنة بين الناس وإن "مؤامرة كونية" تستهدف اوطاننا العربية – دون غيرها- وحتى لو صدقنا ذلك -جدلا- فمن واجبنا ان نحتشد جميعا لإلقاء القبض على هؤلاء العفاريت والأشباح، ومن واجب الدولة ان تنهض بمسؤولياتها لتحديد مصدر تلك "الأطباق الطائرة" التي تهبط علينا فجأة.. لكن هذا –بالطبع- لم يحصل، لا لأن القصة من أساسها "مفبركة" وغير صحيحة إنما –ايضا- لأن من يتحرك معروف تماما، ولديه من القدرة على "التخفي" والسطو والتخويف ما يكفي لمنع أي طرف من اتهامه أو الاقتراب اليه.
من المفارقات ان حكوماتنا في العادة لا تسلم من هجوم هذا الطرف الثالث، فمع كل حكومة نكتشف أن ثمة "قوى" خفية تتربص وأن صراعات غير مفهومة بدأت تتشكل وحين تسأل لماذا؟
يفاجئك البعض بكلام طويل عن "قوى الشد العكسي" وعن "المتضررين من الإصلاح" وعن "اشتباكات" في مناطق النفوذ وغالبا ما يبقى الكلام في مجاله العام لا اسماء ولا اتهامات محددة.. والأدهى من ذلك ان الطرف الحكومي يخرج دائما "مهزوما" واحيانا بالضربة القاضية من قبل "الناس" الذين ينضمون الى "الطابور" ويصفقون لإسقاط الحكومة فيما يبقى الطرف الثالث يتفرج على المشهد ويحتفي "بالانتصار".
في بلدنا ثمة صراع على الإصلاح وهذه مسألة طبيعية ومتوقعة، لكن لا يجوز ان يتحول هذا الصراع الى "احتراب" ولا يجوز ان يخرج من دائرة "السياسة" واخلاقياتها وادواتها المشروعة الى دوائر اخرى مغشوشة، او الى "كمائن" قابلة للانفجار.
المشكلة بالطبع ليست في قوة "المراكز الخفية" إنما في ضعف الأطراف التي تقف على "رصيف" الإصلاح وفي محاولات "الإفساد" التي تجري على رصيد المجتمع، لتخويفه من التغيير او لإغرائه بشتى انواع العروض او لـ "تفكيك" بناه ومؤسساته وافقار وعيه وتكسير قيمه.
اذن، امتحان الحكومة والمجتمع هو امام هؤلاء الذين لا يريدون حكومة قوية ولا مجتمعا قويا، ووصفة "النجاح" المطلوبة معروفة وطريقها الوحيد هو "الاصلاح" الحقيقي، وما لم تضع الحكومة يدها على المجتمع لمواجهة هؤلاء فإن الطريق نحو الاصلاح سيكون "وعرا" ومسدودا كما ان البديل سيكون "مكلفا" جدا وهذا ما يفترض ان نتنبه اليه قبل فوات الاوان.