27-12-2011 07:52 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
في نموذج الربيع الأردني, لم يحصل تغيير دراماتيكي, لكن حدثت وتحدث تغييرات فكرية وسياسية واجتماعية عميقة, بطيئة وإنما تراكمية وواثقة.
فكريا, انتصرت المدرسة الاجتماعية وسقطت المدرسة النيوليبرالية وأُدينتْ بالتخريب والفساد, واستعيدتْ شرعية القطاع العام الاقتصادي وأولوية المجتمع على البزنس ونهج تشجيع" الاستثمار". ومن المعروف أن الأفكار حين تتجسد في وعي كتلة اجتماعية مسيسة, تتحوّل, كما يقول ماركس, إلى "قوة مادية" تفرض تحققها الواقعي.
اجتماعيا, حدثت تحولات جدية في التركيبة المجتمعية, حيث حازت الفئات الشعبية و المستضعفة والمفقرة على مواقع الهيمنة السياسية, وامتلكت المحافظات والعشائر قوة سياسية, لم يعد ممكنا تجاهلها.
سياسيا, عمل التطوران السابقان وسواهما على تحطيم النخبة السياسية الحاكمة. فأغلبية عناصر هذه النخبة إما أنها مدانة بالفساد وهدر الأموال العامة وسوء الإدارة, بل وبالتآمر على الدولة والوطن, وإما أنها " مزدوجة الجنسية", أو كلاهما معا. وهكذا, خرج 80 بالمئة من السياسيين القدامى و95 بالمئة الجدد, من الحلبة كليا.
بالمقابل تكوّن مشروع نخبة سياسية جديدة من قيادات في الحراك الشعبي والمعارضة الوطنية الجديدة والجيل الصاعد من القيادات العشائرية. وهي حققت معظم شروط النخب السياسية الوطنية القادرة على القيادة الكفؤة; إذ انها تتميز بما يلي :
أولا, أنها تكوّنت في سياق نضالي شعبي. فهي مرتبطة, وجدانيا وسياسيا, بالكتل الاجتماعية من أبناء العشائر والمحافظات والفئات الشعبية وبروليتاريا القطاع العام من موظفين وعمال ومعلمين ومتقاعدين عسكريين ومدنيين ومثقفين ومهنيين الخ. ويمكنها أن تلعب, بالتالي, دور التوسّط السياسي باتجاهاته المطلوبة المعروفة, سواء باتجاه تنظيم وتسوية المطالب الشعبية المتعارضة أو باتجاه توليف المطالب والإمكانات, أو باتجاه توليف التوجهات السياسية الشعبية في سياقات واقعية, أوباتجاه التحشيد لمشاريع التنمية والدفاع عن الوطن.
ثانيا, أنها, بسبب ارتباطاتها الاجتماعية الشعبية, قادرة على استيعاب وتنظيم وطرح القضايا المرتبطة بمصالح القوى الاجتماعية والمحافظات والأحياء, وتصوّر الحلول الواقعية لتلك القضايا من موقع المسؤولية.
ثالثا, أنها بحكم مواقعها الطبقية والتزاماتها الاجتماعية المعلنة ستكون أبعد ما يمكن عن الفساد والهدر, وستتعامل مع مواقع المسؤولية باعتبارها واجبات نضالية.
رابعا, أنها, بسبب شعبيتها وأصولها الاجتماعية, لن تدعي احتكار المعرفة, بل ستنشط في الحصول على الآراء والخبرات والاستشارات, مما سينعكس في أوسع مشاركة شعبية في صنع القرارات.
خامسا, أنها, بسبب وطنيتها المتجذرة, ستحافظ, في ممارستها الحكم, على المصالح الوطنية العليا, وهو ما سيبعث الاطمئنان في صفوف المواطنين إزاء القضايا المصيرية.
ynoon1@yahoo.com