29-12-2011 07:59 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
أصدرت مجموعة من شباب الإخوان المسلمين بيانا غاضبا محتشدا بالتهديد والوعيد والتلويح باستخدام العنف, بحيث يمكن وصفه بأنه بيان " المغالبة" بلغة الإخوان أو بيان "الحرب الأهلية" بلغة السياسة الحديثة.
أكتب هذه السطور وأنا أتوقع أن تقوم الهيئات الرسمية الإخوانية بسحب البيان أو نفي صدوره عن شبابها. لكننا, في كل الأحوال, نظلّ أمام نص يؤكد التحليل اللغوي البنيوي والدلالي صدوره عن مجموعة إخوانية, قد تكون متمردة وقد تكون هامشية, إلا أنها تظل تعكس ميول التعبئة العنفية. ولذلك, سنأخذ هذه الوثيقة على محمل الجد, حين تقول :" ونحذر كائنا من كان (من) المساس بكرامة الاخوان المسلمين , لأنها ذات ثمن صعب و دونها المهج و الارواح , ونحن اذ نقسم انها ستُكسر الايدي التي ستمتد لتنال من عتبة باب لأي مقر من مقرات الجماعة من الآن فصاعدا , (ف) سيشهد القاصي والداني والصديق والعدو أي بأس نحمله لحماية دعوتنا وفكرتنا".
نحن نرفض, بطبيعة الحال, المساس بكرامة الإخوان المسلمين كمواطنين وكبشر وكدعاة, من حيث المبدأ, وليس لأن "ثمنها صعب". فالكرامات ينبغي أن تكون محفوظة سواء أكان ثمنها صعبا أم سهلا. فبغير ذلك, سوف تُهدَر كرامات المستَضعفين! وإذا كانت القوة عند شباب الإخوان هي حصن كرامة المواطن, فلا يبقى أمام الجميع سوى امتشاق السلاح.
لكن الأهم أن " الدعوة والفكرة" في الديموقراطيات, تجري مجرى الإقناع والحوار والضغط السلمي, وتنبذ " البأس" الذي هو أداة الأحزاب الفاشية. ولا يستقيم الحديث عن " البأس" مع الحديث عن " دولة القانون" التي يشير إليها البيان بأنها " حامية الجميع", ثم ينذر ب¯ " رد الصاع صاعين" لخصوم الإخوان.
نحن نرفض, مرة أخرى, الاعتداء على مقرات حزب جبهة العمل الإسلامي, ونطالب الجهات الأمنية بحمايتها, لكن لا نستطيع إلا ان نرفض أيضا أوصاف التقديس التي أناطها شباب الإخوان بهذه المقرات, فهي عندهم " بيوت أذن الله أن يرفع اسمه فيها ذكرا وتنزيها". إن مقرات " الجبهة" و" الإخوان" هي مقرات حزبية مدنية مرخصة من قبل وزارة الداخلية وفقا لقانون مدني, وليست مساجد ولا بيوتا لله. وتنطوي, في لغة تقديس مقرات الإخوان, فكرة تقديس الجماعة والحزب. وهو ما يتجاوز احتكار تمثيل الدين الحنيف إلى المماهاة بينه وبين حزب سياسي له أجندة دنيوية من حق الجميع الاختلاف معها ومناقشتها والدعاية ضدها في إطار القانون.
كل الأردنيين من مختلف الطوائف والمشارب والاتجاهات الفكرية والسياسية, مسلمون, عقيدة أو ثقافة. فإذا كان الإخوان ممثلين حصريين للإسلام, وتتماهى دعوتهم مع دعوته, فإن معارضتهم تصبح كفرا أو خيانة أو صليبية. وهو ما يفرض الجهاد ضد المعارضين ويستبيح دمهم. أفليس هذا هو الأساس للمنهج التكفيري الإرهابي?
تبقى النقطة الأكثر أهمية في بيان شباب الإخوان, وهي المتصلة بالعشائر. البيان يندد باستخدام العشائر " أداة " ضدهم من قبل خصوم الإسلاميين, ويؤكد, بالمقابل, على كون العشائر هي " رافعة" أي أداة للإصلاح. وفي الحالتين, يتعامل البيان مع العشائر وكأنها مجرد مادة بشرية خام لا إرادة سياسية مستقلة لديها.
وفي الحقيقة أن الإخوان مثلهم مثل النظام وأجهزته والعديد من التيارات والمراكز السياسية الأخرى, يسعون إلى توظيف العشائر في الصراع السياسي القائم في البلاد. وذلك, بعدما اكتشف الجميع أن العشائر هي القوة الاجتماعية الحاسمة في الأردن. وقد توصل الإخوان إلى هذا الاكتشاف حديثا, فلم يفهموا, كالكثيرين سواهم, أن العشائر ليست مجرد قوة اجتماعية بلا رؤية سياسية, وإنما هي, بذاتها, وشئنا ذلك أم أبينا, قوة سياسية تجمعها مشتركات وطنية, وقد تتحول إلى حركة وطنية تعيد تجديد الدولة, وقد تتفتت في حركات تعبر عن مصالح محلية. وهذا مجال مستقل للحوار والعمل, إلا أن تصنيف البيان لأبناء العشائر إلى " زعران وسرسرية" من جهة ومؤيدين للإصلاح, أي لأجندة الإخوان المسلمين من جهة أخرى, ينبع من تصور خطأ واستعلائي وتفتيتي, وسيقود الإخوان إلى صدامات متكررة مع العشائر.
يشترك بيان شباب الإخوان مع الخطاب الإخواني الرسمي في المماهاة بين أجندة الإخوان وبين الإصلاح. وهو افتئات على الحقيقة. فالإخوان جاءوا إلى حراك الإصلاح بعد انطلاقه, ولم يكونوا المؤسسين له ولا مَن أطلق شرارته. وتكفي نظرة واحدة على أرشيف الصحافة الأردنية خلال السنتين الماضيتين, لكي نضع, هنا, النقاط على الحروف. ففي العام 2010 , كانت الحركة العمالية الجديدة وحركة المعلمين وحركة المتقاعدين العسكريين والتيارات الوطنية والتقدمية هي التي أسست للحراك الإصلاحي. كذلك, فإن الربيع الأردني, بدأ في 7 كانون الثاني العام 2011 في ذيبان بمبادرة من عشائر الحمايدة, ثم انتشر, بعدها, في مظاهرات عمان والمحافظات بمبادرات القوى القومية واليسارية والعشائر. ولم يكن للإخوان المسلمين حتى ذاك دور فيها. وكان دورهم اللاحق مرتبطا بصعود الإخوان إقليميا وفي ضوء تفاهم مع واشنطن وليس بمبادرة محلية.
وربما آن الأوان للإخوان أن يلاحظوا أن الريبة العشائرية في أجندتهم السياسية لا تنطلق من عداء لهم ولا للإصلاح الذي أسسه وأطلقه أبناء العشائر أصلا, ولكن تلك الريبة تدور حول موقف الإخوان من الهوية الوطنية والمسألة الاجتماعية والمصالح العيانية للعشائر والمناطق. وإذا ما أراد الإخوان السير في نهج المصالحة والتفاهم وتكوين الإجماع الوطني, فإن عليهم الإجابة الصريحة على الهواجس الوطنية والاجتماعية والجهوية والثقافية, وتطوير مواقفهم في هذه المجالات. أما إذا كانوا يريدون السير في طريق المغالبة, فسنكون أمام مؤشرات خطرة للغاية.0
ynoon1@yahoo.com