21-12-2011 08:46 AM
كل الاردن -
شحادة أبو بقر
إبتداءً فقد تجسدت إرادة الخالق سبحانه بأن "محمداً صلوات الله وسلامه عليه" على خلق عظيم، مصداقاً لقوله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم"، ومن هُنا فقد جاءت حادثة عيادته "صلعم" لليهودي المؤذي عندما مرض، إنسجاماً مع هذا الخلق العظيم في جانب، وطاعة لله جلت قدرته في جانب آخر.
أما كيف كان ذلك؛ فقد إعتاد يهودي حاقد من أهل المدينة أن يلقي بقمامة بيته كل يوم خلسة أمام بيت الرسول الكريم، من باب الإيذاء والحقد ليس إلا، وكان الرسول بكريم أخلاقه يزيل تلك القمامة دون أن يعاقب ذلك المجرم أو حتى يعاتبه.
ذات يوم لم يجد الرسول شيئاً من تلك القمامة أمام بيته الشريف، ومرّ يومان أو ثلاثة دون أن يتكرر ذلك السلوك المشين، فسأل صلى الله عليه وسلم عن ذلك اليهودي ليقال له أنه مريض طريح الفراش في بيته. بادر "محمد" رسول الله إلى البشرية كافة بالذهاب إلى بيت ذلك اليهودي للسؤال عن صحته وأحواله ... إستغرب اليهودي عيادة النبي له وسأله كيف عرفت أنني مريض، فقال المصطفى ... لقد فقدت "الهدية" التي كنت تأتيني بها كل يوم وسألت عنك فقيل لي أنك مريض وها أنا آتٍ لأزورك!.
زاد اليهودي أنت نبي تدعو إلى الإسلام وأنا يهودي أُخالف دينك وأتعمد إيذاءك كل يوم وتأتي لتعودني في مرضي فما المبرر!.
قال أعظم الخلق ... ديني يأمرني بذلك.
زادت دهشة اليهودي ... دينك يأمرك بذلك! نعم قال المصطفى.
ومن توه نطق اليهودي بالشهادتين وأسلم، لعظمة ما أدرك من خلق الرسول وعظمة الإسلام!.
هذه الحادثة المعبرة لا نسوقها للدعوة إلى مجاراة اليهود الذين يحتلون اليوم أرضنا ويستبيحون مقدساتنا وينتهكون شرف الأمة كلها، وإنما للدلالة على عظمة الإسلام وما يدعو إليه من خلق قويم، فنحن في هذا الزمان نعود مرضانا ليس من باب الاطمئنان الصادق على صحتهم، وإنما من باب واجب اجتماعي نضيق به ذرعاً أي هو النفاق بعينه، إلا إذا كان المريض ابناً أو ابنة أو زوجة أو ما شابه، وما عدا ذلك فالأمر نفاق بامتياز!.
باختصار الخلق الرفيع المستمد من شرع الله جل في علاه، هو الدين بعينه، والدين المعاملة بالتأكيد، ومن حَسُنت أخلاقه حَسُن عمله، ومن حَسُن عمله أحبه الله ورسوله، وبالذات عندما يكون شخصاً عاماً يتولى أمراً من أمور العامة، ومن حسن خلقه لا يمكن أن يكون فاسداً أو فاجراً أو منافقاً أو كذاباً أو انتهازياً أو مهملاً أو حاقداً أو حاسداً أو متآمراً أو أي شيء من هذه السمات النتنة.
دعونا نجرب كيف يمكن أن يكون أحدنا وفي أي موقع كان من مواقع المسؤولية أو العمل الخاص، على خلق حسن، عنوانه العفة والمودة والتسامح والقول الحسن والعمل المتقن ... يقيناً فالأمر ليس بالشاق إلا على أولئك الذين ختم الله على قلوبهم وأغشى أبصارهم، ويقيناً أكثر فالدنيا ستكون أفضل بكثير مما هي عليه هذا الأوان، ونحن في الأردن تحديداً قد نصلح لأن نكون أنموذجاً طيباً للأمة كلها بالخلق القويم، إذ لدينا من الموروث ومن التنوع الاجتماعي الايجابي ومن الشراكة في المعاناة ووحدة الضرر، ما يؤهلنا بقوة لأن نكون قدوة!.
والله من وراء القصد.