02-01-2012 10:34 PM
كل الاردن -
ناهض حتر
لا يمكن للدولة الاردنية أن تركن, اليوم, إلى صداقة الولايات المتحدة. فقد توصلت الاخيرة بالفعل إلى استبدال تحالفاتها في المنطقة. وهي, بغض النظر عن هذا التفصيل أو ذاك, ترعى سياقا معقدا لضمان مصالحها ( النفط والكمبرادورية وإسرائيل) من خلال تشجيع نقل قيادة العالم العربي إلى تحالف الخليج والاسلام السياسي. وهذا السياق هو الذي يقف وراء الدور الخاص الذي تلعبه قطر التي تضغط من أجل انتقال 'حماس' إلى الاردن في ظروف الازمة العامة التي تعيشها الدولة الاردنية, اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. بالمقابل, تضغط واشنطن على عمان لإجراء إصلاحات سياسية محددة ( وليس الاصلاحات الوطنية والاقتصادية الاجتماعية التي يريدها الشعب الاردني) بما يمكّن الاخوان من الحكم أو السيطرة على الحكم.
وبالمحصلة, ستنشأ ظروف لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن في إطار هدنة بين 'أرض الحشد والرباط' وبين إسرائيل التي سترسم حدودها من طرف واحد, تاركة مناطق الكثافة السكانية في الضفة الغربية للأردن.
عادةً ما تأتي السيناريوهات الواقعية مختلفة في شكلها ¯ وليس في مضمونها ¯ عن السيناريوهات المحتملة. لكن المخاطر تتهدد الدولة الاردنية بصورة لم يسبق لها مثيل. والمؤسف أن اتجاهات النظام السياسي, في مواجهة هذه المخاطر, تتوزعها خيارات الجمود والتردد والخوف والامل بصداقة واشنطن ودعم الخليج, وأسؤوها خيار يرى إمكانية الحفاظ على أكثر ما يمكن من النظام لقاء التنازل عن أقل ما يمكن من الدولة. وهذا الخيار - الذي تتبناه حكومة عون الخصاونة - مجرد وهم. فالنظام السياسي القائم يرتبط, حكما, بوجود الدولة الاردنية بتركيبتها الاجتماعية¯ السياسية وشخصيتها التاريخية.
على هذه الخلفية, من الواضح أن للنظام مصلحة مباشرة في التحالف الوثيق مع الحراك الاردني, والشروع, بلا تأخير, في إنجاز المهمات المطروحة على جدول أعماله: حسم المسألة الوطنية, محاكمة شاملة ومتزامنة لشبكة الفساد, واسترداد أموال وأراضي الدولة, ومراجعة اتفاقات الخصخصة و'المشاريع الكبرى' لضمان حقوق الدولة في الادارة والعوائد, ووقف التسهيلات والاعفاءات 'للمستثمرين' والكمبرادور, وإقرار نظام ضريبي تصاعدي على جميع أشكال الدخول والارباح, والشروع في تنفيذ خطط تنموية للمحافظات تتقرر فيها وليس في المركز, وتعتمد على تمليك الاراضي للتعاونيات ودعمها ونشر المشاريع الانتاجية المتوسطة والصغيرة والصديقة للبيئة في الريف والبادية والاحياء الفقيرة والمخيمات.
أهو انقلاب على النهج النيوليبرالي الكمبرادوري? نعم. ويحتاجه المجتمع الاردني لكي ينهض ويتقدم, وتحتاجه الدولة لكي تبقى, ويحتاجه النظام في مواجهة الانقلاب المزمع ضده من قبل تحالفاته التقليدية.
ليست هذه هي المرة الاولى التي تردّ فيها الدولة الاردنية على التحدي الاقليمي والدولي بانقلاب اجتماعي سياسي. ففي مطلع الستينيات, وفي مواجهة الضغوط الناصرية الملتبسة في مراحل عدة بالتفاهمات مع الولايات المتحدة, تفاهم الراحلان الملك حسين ووصفي التل, على انقلاب داخلي حرق الملفات الامنية للنشطاء وطهّر الدولة من شبكة الفساد, وأطاح بالنخب السياسية والبيروقراطية القديمة لصالح نخب جديدة صاعدة من أبناء المحافظات والعشائر والفلاحين ( وقتها شمل ذلك الضفة الغربية) واتخذت إجراءات اقتصادية لصالح الفئات الوسطى والشعبية, منها تنمية الريف وتحسين انتاجية الزراعة وبناء القطاع العام الاقتصادي والتوسع في التعليم الجامعي المجاني ( الجامعة الاردنية والبعثات) والتأهيل وتحديث المؤسسة العسكرية, وبصورة عامة توجيه الموارد اجتماعيا.
وقد جرى ذلك وسط مناخ سياسي ثقافي بعث الحياة في الهوية الوطنية والقومية التي أسبغت ثوبها, في كل المجالات الاقتصادية والمدنية والفكرية والفنية, على خطاب الدولة كله. ورغم تبدل الحكومات, ظل هذا الاتجاه غالبا وصمد أمام العدوان الاسرائيلي في ال¯ 67 وتداعياته اللاحقة,إلى أن تراجع في السبعينيات تحت هجمة أوهام الحل السلمي, وتآكل في الثمانينيات وضُرب في التسعينيات ابتداء من التوقيع على 'وادي عربة' وتم إسقاطه كليا من قبل النيوليبراية والكمبرادور في العقد الاول من الالفية الثالثة.
الضغوط التي تواجهها الدولة الاردنية الآن تشبه تلك التي واجهتها أواخر الخمسينيات,لكنها أعمق. لقد حلت قوى الاسلام السياسي محلّ الناصرية. لكن الناصرية, على عكس الموجة الحالية, كانت تفتح آفاقا اجتماعية للمنطقة وتشكّل رادعا لإسرائيل. كذلك, فإن استحقاقات تصفية القضية الفلسطينية لم تكن مطروحة.
منذ الاربعينيات, تعوّد العقل السياسي الاردني على التحالف الوثيق بين النظام والاخوان المسلمين. النظام هو الذي ضرب هذا التحالف حين أقصى قيادات 'حماس' من الاردن, العام 1999. وتتوهم أوساط رسمية وحكومية بأن استعادة ذلك التحالف ممكنة اليوم عبر استعادة 'حماس'. وهي مقاربة ساذجة. كان ذلك ممكنا قبل الربيع العربي والتفاهم الامريكي - الاخواني. اليوم ? لا. فالاخوان جزء من حراك إقليمي هاجم يتخطى الاردن.
أصدقاء الامس, محليا وإقليميا ودوليا, أصبحوا في سياق آخر مضاد وضاغط, ولا يوجد رد ناجع إزاءه سوى إعادة تأهيل نهج وصفي وليس فقط دارته.0
ynoon1@yahoo.com