13-01-2012 11:37 PM
كل الاردن -
عمر كلاب
الملح مادة حافظة , تحفظ الأطعمة من الفساد لفترة طويلة كي يستخدمها البشر , وظل مرادفا لكل ما هو طيب وبسيط , من الفقراء الى عرق العمال وباقي مفردات النزاهة البشرية , وهو في متناول يد الجميع فقراء واغنياء , لذا كان اقسى اشكال الفقر يتم التعبير عنه بوصف “ إنه يشحد الملح “ , وهذا منتهى الفقر .
الشعر مثل الملح تماما , يحفظ الذاكرة والوجدان من الخراب والفساد , وهو مادة حافظة للقلوب من الصدأ , وعامل غذاء ضروري للروح , وظلّ الشعراء والأدباء حرّاسا للذاكرة , وملهمين للعشاق والثوار , ورسموا الارض والاوطان في القلوب والمشاعر وجلسوا في مواقع شعبية متقدمة تبعا لذلك .
خلال الأسبوع الفائت ظهر شعراء كنّا نجل ونحترم بصورة مغايرة لصورتهم المألوفة والمعروفة , رسموا حراك الشعوب بلغة السلطات لا بلغة الشعراء المرهفين , نصروا السيف على الدم وجرحوا الكلمة وأسالوا دمها وقاوموا مقاومة الشعوب .
من المقبول تسجيل الملاحظات على حراكات الشعوب وقراءتها بعين النقد والتقييم , من اجل اعادتها الى سكتها الاصلية وعدم انحرافها عن نهجها الأصلي , وعدم السماح لقوى الجهل والظلام من امتطاء ناصيتها وحرفها عن مقاصدها , وإبعادها عن الخراب والتدمير لكي تكون حصيلتها لصالح ملح الأرض من البسطاء والطيبين الذين يقضون من اجل الفكرة التي اطلقها شاعر .
كانت قصيدة واحدة تعيد إلهاب مشاعر الناس ويتناقلونها بطهر بينهم , وتصل الى كل القلوب اذا ما غازلتها اصابع مطرب ملتزم , فصارت دواوين الشعر ممنوعة واشرطتها المغناة مناشير سرية , بل تطورت الى ادلة ادانة في محاكم السلطة العربية .
كانت اشرطة مارسيل كنزا ثقافيا وقصائد درويش غذاء للصمود والمقاومة وظلت اشعار مظفر النواب زوّادة لكسر جموح المحقق , وما زال عرار يقاوم الطبقية وينحاز للأرض والبسطاء , هذا هو الشعر في موروثنا وكان الشعراء قديسين وأطهارا وإن انحرف بعضهم نحو السلطة وبريقها ونعائمها.
خلال حراك الشعوب العربية التي اسهم الشعراء فيها بوعي وكلمة , خرج من الشعراء من يهاجم البسطاء , لا ليعيدهم الى خانة الحقيقة والوعي الطبقي والسياسي بل ليدينهم ويلعن رفضهم للظلم والحكم المتفرد وتزييف الوعي , دون ان يقرأ ما كتبه هو سابقا , ودون ان يعتذر عما كتب بعد القراءة .
سعدي يوسف ونزيه أبو عفش كانا خلال الاسبوع الفائت ضيفي السلطان وآلة القمع , هاجما كل ما يجري في سوريا دون هوادة ودون تمييز , لم يفرقا بين مطالب بتدخل اجنبي وبين مطالب بخبز وحرية تحت ظلال ياسمين دمشق , لعنا الديمقراطية بقسوة الطغاة وعقولهم وآلة بطشهم ونحمد الله أنهما ليسا في السلطة .
هل نعتذر لهما عن سوء فهمنا لما قرأناه لهما ؟ أم نعتذر لأنفسنا لأننا قرأنا ما كتباه بعين المحب وقلبه ؟ هل نمزق دواوينهما الجالسة على رفوف مكتباتنا , ام نضعها تحت الموائد ونهبها لبائعي الترمس والفلافل ؟
إذا صدأ الملح فمن سيحفظ طعامنا من نمل سكّر السلطة , وإذا فسد الشعر فمن سيحفظ ذاكرتنا من صدأ الوعي الزائف ؟ ليس سؤالا برسم الوجع والقلق , لكنه سؤال برسم نعي الكلمة السابقة لهما .
omarkallab@yahoo.com