24-01-2012 10:21 PM
كل الاردن -
سميح المعايطة
نحتاج الى عقلية تبحث عن التوافق لا عن نقاط الخلاف .
بين حين وآخر تحتاج كل دولة الى مبادرة او فكرة جامعة تزيد من تماسك المجتمع والدولة, او ما يمكن تسميته تماسك الجبهة الداخلية, لان مسيرة الدول والمجتمعات تحمل احيانا محطات سلبية تعزز الانقسام او الخلاف خاصة في ظل تراجع مكانة بعض القيم الكبرى لمصلحة العلاقات القائمة على الانتهازية والمنفعة الشخصية المباشرة.
فمباريات كرة القدم تكون احيانا في بلادنا مصدرا للقلق السياسي والامني والاجتماعي, وتُشعل في بعض جوانب مجتمعنا عوامل انقسام نشتمه جميعا لكن بعضنا يمارسه او يجد من خلاله فرصة لامتلاك دور وحضور ولو على حسابنا جميعا, لكن كرة القدم ذاتها تكون احيانا بابا من ابواب تعزيز الانتماء والوحدة الوطنية عندما نقف جميعا خلف منتخبات الاردن ونهتف جميعا للعلم, ويعتقد كل منا ان اي انتصار هو لنا جميعا, وليس لفئة او جغرافيا ضيقة.
ونحتاج الى مبادرات تعزز لدى الناس مفهوم الخطاب العقلاني الراشد, فما دام كل شخص او جهة يمكنها اليوم ان تقول ما تشاء, وان تنتقد وتعارض, فان الميزة والتميز يكون في الخطاب العقلاني الراشد البعيد عن المجاملة والنفاق سواء للمسؤولين او للمعارضة, فما هو سليم لدى اي طرف يمكن دعمه لكن ما هو سياسة خاطئة او تطرف في الخطاب او التفكير مرفوض, فلا خوف من الحكومات وايضا لا خوف من »الجمهور« لانه لا قيمة لاي صاحب رأي اذا كان تحت هيمنة السلطة او من هم خارجها.
ونحتاج الى مبادرات وطنية تساهم في الحرب على الفساد, لكنها ايضا تقول لاجيالنا ان بلادنا ان كان فيها الف فاسد فان مسارها حمل عشرات الآلاف من المخلصين الشرفاء الذين ساهموا في بناء هذا البلد, وعملوا بجد حتى امتلكنا انجازات كبيرة يفخر بها كل اردني. مبادرة تعزز الموضوعية, وتبني مكافحة مؤسسية للفساد وليس حالات غضب قد تعاقب عشرين فاسدا لكنها لا تغلق الباب امام فكرة الفساد, مبادرة لا تجعلنا نظلم انفسنا وننسى آلاف الرجال في كل مرحلة عملوا وما زال امثالهم يعملون وجعلوا من هذا البلد - رغم كل ما نعرف من مشكلات - ساحة آمنة وفيها مواطن على مستوى عال من التعليم, واستطاعت الدولة - بجهد الجميع - ان تتحرك بآمان في منطقة مشتعلة خلال كل العقود الماضية.
ونحتاج الى مبادرة عنوانها.. الهوية الوطنية الاردنية.. تجمعنا جميعا على الانجاز, وتجعلنا نُُعيد تعريف اهل الانجاز بانهم من يقدمون عملا متميزا وناجحا للمجتمع وليسوا محترفي التسلق او تجار المراحل, او قادة الكلام الانشائي الجميل الذي لا يردع صاحبه عن الفساد والافساد وتحويل الموقع العام الى اداة للمنافع والاهواء.
نحتاج الى مؤسسات تعمل وتزرع القناعة بان من رموز المجتمع اصحاب الانجاز وهم من يمثلون هوية الدولة, فالطبيب المتميز النظيف تعبير عن الهوية, ولاعب الرياضة الذي يحقق الانجاز رمز, والمعلم الذي يمارس عمله باخلاص ويقدم كل ما لديه جزء من هوية المجتمع, ورجل الامن الذي نراه في الشارع ساعات تحت الشمس او البرد رمز, والمخترع رمز, ورجل الاعمال الذي يسخر امواله للاستثمار في بلده ويصنع فرص عمل للشباب جزء من هوية المجتمع, والمسؤول النظيف المخلص رمز وهوية..
الكثير من النماذج والاف الاشخاص هم من يجب ان نقدمهم لاجيالنا باعمالهم في كل المجالات, فكل واحد منهم هو رمز لهوية الدولة, وليس من يخرق كل السقوف لكنه تحت الطاولة يطلب ثمنا للصمت, او من بيده سلطة ومسؤولية ويتعامل معها بعقلية المواطن وابن الاردن وليس باعتبار الوظيفة جسرا لمصلحة او راتب او لامتلاك الادوات نحو وظيفة كبرى في القطاع الخاص.
نحتاج ان نفكر بعقلية توافقية ونبحث عن نقاط تجمعنا, لا ان نبحث بكل جهد عن نقاط الخلاف والافتراق, فقد عشنا مرحلة - وما زلنا - نختلف فيها على كل شيء, ونفكر بعقلية لا ترى الا القضايا التي تصلح لتكون خلافية او مصدرا للتناقض بيننا, لنختلف عليها في عملنا او في الاعلام او الشوارع.
والتوافق والبحث عن الجوامع لا يكون بقرار حكومي, بل هو حرص ورغبة, وهو المواطنة الحقيقية, لان الاختلاف والافتراق على كل شيء يأخذنا الى مراحل نفقد فيها قدرتنا على الاتفاق حتى على ما يجب الاتفاق عليه او حتى القضايا التي نتفق عليها تلقائيا.
الهوية الوطنية التي تعني الاخلاص والحرص على البلد هي الجامع, لكن الهوية ليست شعارا او معركة بل هي تلك الفطرة التي تجعل ايا منا غيورا اليوم لانه يريد لابنه وابنته واحفاده ان يمتلكوا القدرة على المشي في شوارعنا بأمن, وان يجد كل منا مكانا للعلاج وفرصة عمل وكرامة وحرية.
الهوية الوطنية فعل يجمعنا على الايمان بان الاردن خيارنا الاول والاخير, وان العلاقة مع الوطن ليست مغامرة او بحثا عن مكاسب لفرد او حزب او استقواء بالخارج على الذات بل هي الفعل الذي يجعلنا بعد سنوات وعقود نجد الاردن مكانا آمنا لمن بعدنا يجدون فيه الحياة الكريمة.