26-01-2012 08:16 AM
كل الاردن -
ناهض حتر
في الذكرى الأولى للثورة التونسية, كان وزراء في الحكومة الثورية يجتمعون في قفصة, حين أحرق بوعزيزي ثان نفسه احتجاجا على رفضهم الاستماع إلى شكواه. ما يزال الشباب يحرقون أجسادهم الغضة في تونس يأسا من إمكانية التخلّص من الفقر والبطالة والتهميش, بل ويأسا من تغيير الأسلوب الحكومي المعادي للشعب الكادح.
ما تزال حكومة حزب النهضة الإسلامي حديثة العهد, ولا يمكننا بالتالي أن نطلب منها تحقيق معجزات تنموية, لكن يمكن لوزرائها وكوادرها أن يقدموا نموذجا جديدا في التعامل الديموقراطي مع الكادحين, هؤلاء الذين منحوا أصواتهم الانتخابية للحزب, لكنهم سرعان ما اكتشفوا أنهم مجرّد خزّان أصوات لا غير.
بعد عام وعامين وثلاثة, سيظل البوعزيزي عنوانا للقهر الاجتماعي نفسه. فراعي "النهضة", الشيخ راشد الغنوشي, أعلنها في الولايات المتحدة صريحة: لا مساس بالنهج الاقتصادي لبن علي ومصالح الشركات الأجنبية ووكلائها المحليين. وطالما أن الفقر لا يهبط من السماء ولا هو نتاج حظ عاثر, بل نتيجة حتمية للرأسمالية النيوليبرالية ¯ الكمبرادورية, فإن استمرارها يعني استمرارية الفقر. وللدقة: الإفقار.
الموديل الإقتصادي القائم على الخصخصة و تشجيع الاستثمار الأجنبي وتقديم التسهيلات والتخفيضات الضريبية وتفويضات الأراضي لرجال الأعمال, والخضوع لمتطلباتهم في تحقيق أقصى الربحية على حساب الضرورات التنموية والاجتماعية, هذا هو الموديل الذي يضمنه الغنوشي, بعد بن علي, و محوره تحويل الموارد لخدمة الأقلية الرأسمالية التي توجه الاستثمارات نحو قطاعات غير مولّدة لفرص العمل اللازمة, ولكنها القطاعات الأكثر ربحية في البلدان التابعة, أي قطاعات المال والعقارات والاتصالات والتعدين, بينما قطاعات التشغيل هي القطاعات الصناعية والزراعية والحرفية المرتكزة إلى الملكية التعاونية والمشروعات المتوسطة والصغيرة في المحافظات.
عاشت الثورة! فمن نتائجها المباركة أن الكمبرادوريين التوانسة أطلقوا لحاهم, تاركين ماضيهم مع الحزب الحاكم المنهار ( الحزب الدستوري) ومنتسبين, أفرادا وجماعات, إلى الحزب الحاكم الجديد ( حزب النهضة) !
وبينما تشبّه رجال المال والأعمال بالغنوشي, وأصبحوا, فجأة, مؤمنين ( ولم لا? إذا كانوا مطمئنين على مصالحهم وامتيازاتهم), تشبّه الغنوشي بين عليّ, وعيّن صهره وزيرا للخارجية. والمخفي أعظم!
وإذا اضفنا إلى ذلك ما أصبح معروفا من الغزل الظاهر والباطن بين الغنوشي والحلف الأمريكي ¯ الإسرائيلي, وتنكّره العلني لفلسطين وقضيتها, يحق لنا أن نتساءل: ما الذي تغيّر فعلا في تونس? الذي تغيّر هو أن جناحا محافظا متأمركا مرتبطا بالخليج من البرجوازية الكمبرادورية, ورث الحكم من جناحها العلماني الذي يقع بين الولائين الأوروبي والأمريكي. ونقطة!
من حسن الحظ أن القوى الشعبية ( اليسارية والقومية) في الثورة التونسية ما تزال حية, وما يزال ميزان القوى الداخلي يسمح لها بالتصدي للطبقة النيوليبرالية الكمبرادورية وسياسات التبعية للإمبريالية ووكلائها الإقليميين, بل إن الوطنية التونسية التي جرحتها التدخلات القَطرية الماسة بسيادة تونس, أصبحت تشكّل اليوم إطارا للمعارضة الشعبية المتصاعدة في مواجهة حزب اختطف الثورة بالدعم الأمريكي والأموال القَطرية والفضائيات المدارة من مكتب في تل أبيب.
ynoon1@yahoo.com