30-01-2012 11:20 AM
كل الاردن -
كل الاردن - توقَّفَ الزمانُ عند 'إياد ومحمود'، الشقيقين المصابين بانفصام نفسي وعقلي، منذ 18 عاما؛ لحظة تعرُّضهِما لعنف أسري حوَّلَ حياتهما إلى جحيم، ففضَّلا أنْ يعيشا وحيدين في 'خرابة' مهجورة مليئة بالقاذورات وبقايا مخلفات الكلاب والقطط، على العيش تحت وطأة التعذيب والقهر والإهمال، وفقَ أقربائهما وجيرانهما.
بعد أنْ انتقلت أسرتهما بعيدا عن مخيم البقعة، لم يدرك الشابان الثلاثينيان بسبب مرضهما، أنهما يفترشان أرضية منزلهما البائس، ويلتحفان السماء في ليالي الشتاء القارص، غير أنهما يشعلان أحيانا بعض أخشاب الشجر والكرتون المقوى ليحتسيا كوبا من الشاي ويحمصان خبزا ناشفا عفنا يسد جوعهما.
الوضع المعيشي المأساوي للشابين يستمر بدون تحرك أي جهة رسمية ساكنا لإيوائهما وتأهيلهما، وفقَ أقاربهما، ليتحوَّلا مع مرور الأيام إلى انطوائيين يختبئان في كهفهما، يخجلان التسول من المارة أو الجيران، فيطلبان بضعة دنانير من المقربين علها تسد احتياجاتهما من فتات الطعام والدواء.
وتكشف قضية المريضين إياد (36 عاما) ومحمود (35 عاما)، عن خلل واضح في المنظومة المجتمعية أطرافها، الحكومة، دائرة الشؤون الفلسطينية، وأسرة عنفت وأهملت أبناءَها؟ ويتهم عدد من الجيران المقربين من الشابين 'المهملين'، لجنة تحسين المخيم التابعة لدائرة الشؤون الفلسطينية بـ'التقصير' في متابعة احتياجات أبناء المخيم، خاصة مثل هذه الحالات، لكن رئيس اللجنة الدكتور محمد العمايرة يرفض هذه الاتهامات ، مؤكِّداً لـ'الغد' أنَّ' اللجنة تصل بخدماتها لمستحقيها.
وأضاف العمايرة 'في حال تسجيل أي فرد من المخيم احتياجاته يتم الكشف ميدانيا من قبل لجنة مصغرة لضمان التوزيع المنظم عليهم بعيدا عن العشوائية'، لافتا إلى أنَّ الدائرة أطلقت حملة لتوزيع أغطية بلاستيكية مقواة على أصحاب المنازل المسقوفة بـ'الزينكو'.
ووزعت اللجنة، حسب العمايرة 500 غطاء منذ بدء الحملة التي باشرت بها قبل أربعة أشهر مضت، لافتا إلى أنَّ عدد المنازل المسقوفة بـ'الزينكو' لا يتجاوز عددها 400 منزل موزعة في مختلف مناطق المخيم.
لكن قريبا للشابين اللذين يقطنان بالقرب منهما في منطقة الخليل بالبقعة، التاجر محمد أبو سل قال لـ'الغد'، إنَّهُ لجأ إلى دائرة الشؤوون الفلسطينية لإيواء الشابين في مكان يليق بمرضى نفسيين، إلا أنَّها اكتفت بوعود شفوية لحل مشكلتهما، مع أنهما يعيشان وسط مكرهة صحية فيها امتهان واضح للكرامة الإنسانية، وفقَ قوله.
وأضاف أبو سل 'يعيش الشابان منذ سنوات مضت في حالة يرثى لها بدون متابعة رسمية أو أسرية، رغم أنهما يتعالجان في المركز الوطني للطب النفسي في مدينة الفحيص'.
وأكَّدَ أنَّ الأمطار تداهم غرفتهما المبنية من طوب وسقفها من 'زينكو' وتتسرب المياه من أرضيتها وسقفها معا لتغرق أغطيتهما البالية، فيصابان دوما بألم في البطن وأزمات تنفسية، مطالبا منظمات حقوق الإنسان والمراكز الخاصة وأهل الخير بتبني قضيتهما بعد أن باءت محاولته بالفشل في تأمين حياة كريمة لهما.
وتنص المادة 1 من 'الإعلان العالمي لحقوق الإنسان' على أن جميع الناس يولدون 'أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق'، ونصت المادة 12 من 'العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية' بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والنفسية يمكن بلوغه'. الناطق الرسمي باسم صندوق المعونه الوطنية ناجح صوالحة برر من جهته لـ'الغد'، عدم منح الصندوق مخصصات للشابين، بأن لديهما أشقاء قادرين على إعالتهما.
في حين اكتفت وزارة الصحة بتأمين علاجهما مجانا، وفقا للناطق الرسمي للوزارة حاتم الأزرعي الذي أكد أن اللجان الطبية هي التي تحسم مسألة درجة حالتهما الصحية، وما إذا كانت تستدعي الدخول إلى المركز الوطني في الفحيص أو بقائهما في منزلهما بعد تأمينهما بالأدوية.
من جهته، يرى الخبير الدولي في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحده الدكتور هاني جهشان، أنَّ حماية المرضى النفسيين وإعادة تأهيلهم جسديا ونفسيا واجتماعيا 'مسؤولية وطنية تتطلب مبادرة جدية من الحكومة لإقرار تشريع خاص قائم على الدليل العلمي المسند'، منوها إلى ضرورة وجود مرجعية استراتجية وطنية تضمن توفير جودة عالية لخدمات الصحة النفسية، والتوعية بتثقيف عامة المواطنين بأهمية الصحة العقلية، ورفع كفاءة الأطباء والممرضين والعاملين الصحيين، وضمان توفر الموادر المالية والبشرية.
الغد - حنان الكسواني
hanan.alkeswani@alghad.jo