31-01-2012 10:35 PM
كل الاردن -
ناهض حتر
لا تزال المعالجات الرسمية - وبعض المعارضة - لمشكلة الانقسام الأهلي في البلاد, تقوم على أولوية تنفيذ المشروع الأمريكي- الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن, وتأجيل الاستحقاقات الوطنية لكي تحل نفسها بنفسها على أساس اعتقاد ساذج بأنه يمكن, في النهاية, استخدام الرشى والقمع معاً لفرض الأمر الواقع المصمّم من جانب واشنطن وتل أبيب والفئات الكمبرادورية.
لكن مشكلة الانقسام الأهلي في الأردن مشكلة حقيقية متعددة الأبعاد, سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأمنياً. وهي أبعاد حاضرة في الراهن وتشل التنمية والديمقراطية والتحديث والثقافة, وتنزل بالقوى الاجتماعية إلى الاصطفاف في عصبيّتين , تتجاهلان, بدورهما, حقيقتين لا بد من مواجهتهما وهما:
1) أن مستقبل البلد كله مرتبط ببناء قدرة دفاعية وتصميم سياسات في مواجهة لا مفر منها مع التوسعية الإسرائيلية.
2) أن للأغلبية الشعبية في البلاد, بغضّ النظر عن أصولها, قضية مشتركة أخرى, هي قضية التنمية المضادة للكمبرادورية والفساد والأمركة, وفي تنظيم قواها في منظمات نقابية وسياسية قادرة على الدفاع عن مصالحها. أول نقطة منهجية ينبغي تسجيلها من أجل تنظيم السجال هي ضرورة الفصل بين مشكلة الانقسام الأهلي من جهة, وبين مشكلات الحل النهائي; للقضية الفلسطينية من جهة أخرى.
وهذا يعني أنّ علينا أولاً التوقّف عن تأجيل البحث عن حل للمشكلة الأولى بأبعادها المتعددة, وعلينا ثانياً بناء تصور مشترك لهذا الحل يقوم على أساس أولوية المصالح الوطنية المحلية لا على أساس أولوية تسهيل ما يسمّى العملية السلمية.
على هذه الخلفية, يمكننا تسجيل النقطة المنهجية الثانية اللازمة لهيكلة الحوار, وهي أنه لا مناص أمام طرفي المعادلة الأردنية من اعتماد مبدأ الحلول الوسط أساساً لبناء وحدة الشعب والدولة , بصورة حقيقية وفاعلة, لا بد من النظر إليها بوصفها سياقاً اجتماعياً - سياسياً, لا معطىً مسبقاً.
هنا, تكون البداية الوحيدة الواقعية لبناء نموذج وطني لتجاوز الانقسام الأهلي, هي الاعتراف المتبادل بحقيقتين هما:
أولاً, أن البنية الأردنية في كل الأحوال لا تستطيع أن تحتمل الاستيعاب الديموغرافي والسياسي لأكثرية فلسطينية. ولذلك, فلا بد مما يلي:
1) تنظيم المواطنة بحيث تنتهي كل أشكال العلاقات المواطنية الغامضة مع الضفة الغربية, مرة واحدة ونهائية, وأن السعي إلى تجنيس وتوطين مليون مواطن فلسطيني جديد في البلاد هو سعي غير واقعي وتفجيري. والحل هو ليس في تجنيس هؤلاء , بل في تصميم برنامج اقتصادي اجتماعي يشجعهم على العودة إلى الضفة ويشجع الغزيين على العودة إلى غزة. و بصورة خاصة,ينبغي الاتفاق على إصدار قانون جنسية جديد يوحد المعايير القانونية للجنسية الأردنية على أساس تعليمات فك الارتباط لسنة 88 .
2) أولوية العمل الجدي, ضمن سياسة معلنة على كل مستوى, لضمان حق العودة الاختيارية للاجئين والنازحين وفق الشرعية الدولية.
ثانيا, أن الأردنيين من أصل فلسطيني لما قبل 1988 أصبحوا أردنيين بالمعنى القانوني, وإن قسماً كبيرا منهم أصبح, بحكم عوامل اجتماعية وسياسية وثقافية, جزءاً لا يتجزّأ من التكوين التاريخي الأصيل للشعب الأردني. وعلى النخب الشرق اردنية القبول الواعي والمرحّب بهذا التكوين الأساسي للوطنية الأردنية, وتمكين هذا القسم من الشراكة - بالتدريج ولكن بثبات - في العملية السياسية الوطنية, بلا عقد من أي نوع. وللتأكيد على هذه الناحية, ومن دون أي مس بمواطنة الجميع قبل الـ 88 ، علينا أن نلاحظ أن أكثر من نصف الأردنيين من أصل فلسطيني قد تأردنوا بالمعنى الجذري الشامل, أي أصبحوا أردنيين بالمعنيين القانوني والاجتماعي السياسي. ومن هؤلاء (1) من خدم في أجهزة الدولة الأردنية المدنية والعسكرية والمؤسسات العامة وخصوصا من المتقاعدين (2) الفعاليات المندرجة نهائياً في الحياة الاقتصادية والمهنية والاجتماعية والثقافية والنقابية والأحزاب السياسية الأردنية, وغير المرتبطة بالقوى السياسية الفلسطينية (3) أبناء العشائر الممتدّة عبر النهر ومركزها في الأردن (4) الأنسباء...وهنالك حالات أخرى فاتتني حتما لكن القصد هو الإشارة إلى أن عملية التأردن هي عملية اجتماعية وسياسية حقيقية, وآن الأوان لترجمتها في وحدة الحركة الوطنية.
ynoon1@yahoo.com